وأنه سيكون في أمتي
كذّابون ثلاثون كلهم يزعُم أنه نبيٌّ [1] ،
(1) كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتدّ البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين». انتهى ملخصاً.
وقد استحكمت الفتنة بعبادة الأوثان حتى إنه لا يُعرف أحدٌ في هذه القرون المتأخرة أنكر ما وقع من ذلك، حتى أقام الله الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله فأنكر ذلك ونهى عنه ودعا الناس إلى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، فرماه الملوك وأتباعهم من علماء الضلال بقوس العداوة، فأظهره الله بالحجة وأعزّ أنصاره، وبلغت دعوته مشارق الأرض ومغاربها، وانتفع بدعوته الكثير من الناس، فلله الحمد على هذه النعمة العظيمة.
قوله: «وأنه سيكون في أمتي كذّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي» قال القرطبي: «وقد جاء عددهم معيّناً في حديث حذيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي كذّابون دجّالون سبع وعشرون، منهم أربع نسوة» * أخرجه أبونعيم وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام، وحديث ثوبان أصحّ. قاله في «فتح المجيد» **.
قال الحافظ ابن حجر: قد ظهر مصداق ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج مسيلمة الكذاب باليمامة، والأسود العنسي باليمن، ثم خرج في خلافة أبي بكر الصديق طليحة
بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميمية في بني تميم، وقتل الأسود
قبل أن يموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقتل مسيلمة الكذاب في خلافة أبي بكر
* أخرجه أحمد (5/ 396) ، وأبونعيم في الحلية (4/ 179) . وقال ابن حجر في الفتح (13/ 87) : سنده جيد.
الصديق - رضي الله عنه -، ويقال إن سجاح تابت، ثم خرج المختار ابن أبي عبيد الثقفي وغلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير وأظهر محبة أهل البيت ودعا الناس إلى طلب قتلة الحسين فقتل كثيراً ممن باشر ذلك وأعان عليه فأحبه الناس، ثم ادّعى النبوة وزعم أن جبريل - عليه السلام - يأتيه، ومنهم الحارث الكذاب خرج في خلافة عبدالملك بن مروان فقتل وخرج في خلافة بني العباس جماعة، وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقاً فإنهم لا يُحصون كثرة لكون غالبهم تنشأه دعواه عن جنون أو سوداء، وإنما المراد من قامت له شوكة، وقد أهلك الله من وقع له منهم ذلك وبقي من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجّال الأكبر. وفيه: إخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة فوقع كما أخبر، والعجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه أنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق. وفيه: أن محمداً خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح، وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة وتبعه فئام كثيرة. قاله المصنف رحمه الله.