أنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرْجَةٍ [1] كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فيها فيدعو، فنهاه [2]
(1) قوله: «إنه رأى رجلاً يجيء إلى فُرْجة» بضم الفاء وسكون الراء وهي الكُوّة في الجدار والخوخة ونحوهما.
(2) قوله «فيدخل فيها فيدعو، فنهاه» وهذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها. وقال شيخ الإسلام: «ما علمت أحداً رخص فيه؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً» . ويدل أيضاً على أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد للصلاة منهي عنه؛ لأن ذلك لم يشرع، وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن السلف لم
* أخرجه أحمد (2/ 367) ، وحسّنه الألباني، وقد تقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكونوا يفعلون ذلك، قال: ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وكان الصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - يأتون إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه عند دخول المسجد هو السنة. وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم؛ بل نهاهم عنه في قوله «لا تتخذوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني» ، فبيَّن أن الصلاة تصل إليه من بعد، وكذلك السلام، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب، إذ كانت عائشة - رضي الله عنها - فيها وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون عليه للسلام ولا للصلاة ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاماً أو سلاماً؛ فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم وبيَّن لهم الأحاديث، أو أنه قد ردَّ عليهم السلام بصوت من خارج كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويحدّثهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر فيرونه خارجاً من القبر فيظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم، وأن أرواح الموتى تجسّدت لهم فرأوها.
وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبدالعزيز ابن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، قلت: لا أريده، قال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلّمتُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إذا دخلت المسجدَ فسلِّم، ثم قال لي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» *. ما أنتم ومن بالأندلس إلا
* تقدم تخريجه (ص/108) .
سواء. والمقصود: أن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم