فهرس الكتاب
الصفحة 154 من 358

وقال: أَلاَ أُحدِّثكَ حديثاً

سمعتُه من أبي عن جدِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم» . رواه في المختارة [1] .

(1) عليه إذا قدم من سفر كما كان ابن عمر يفعله، قال عبيدالله بن عمر عن نافع: كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبابكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف. قال عبدالله: ما نعلم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إلا ابن عمر. وهذا يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلّم كما يفعله كثير. قال شيخ الإسلام [الفتاوى 27/ 396] : «لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة» . وفي «المبسوط» : «قال مالك: لا أرى أن يقف عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن يسلّم ويمضي» . ونص أحمد أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره .. وبالجملة فقد اتفق الأئمة على أنه إذا دعا لا يستقبل القبر، وتنازعوا هل يستقبله عند السلام أم لا؟ وفي الحديث دليل على منع شد الرحال إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - وإلى غيره من القبور والمشاهد لأن ذلك من اتخاذها أعياداً ومن أعظم أسباب الإشراك بأصحابها، وهذه أفتى فيها شيخ الإسلام بمنع السفر لا مجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ونقل فيها اختلاف العلماء، فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي، ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل وأبي محمد الجويني والقاضي عياض، وهو قول الجمهور، نص عليه مالكٌ ولم يخالفه أحدٌ من الأئمة وهو الصواب لما في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تشدّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» * فإما أن يكون نهياً، وإما أن يكون نفياً، وجاء في رواية بصيغة النهي فتعيَّن أن يكون للنهي فدخل في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد.

قوله: «رواه في المختارة» لأبي عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي الحافظ

* أخرجه البخاري (1197، 1995) ، ومسلم (827) .

ضياء الدين الحنبلي، أحد الأعلام، قال الذهبي: أفنى عمره في هذا الشأن مع الدين المتين والورع والفضيلة التامة والإتقان. و «المختارة» كتاب جمع فيه الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين وتصحيحه في مختارته خير من تصحيح الحاكم بلا ريب. قاله شيخ الإسلام [الاقتضاء 2/ 655] ، مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام