على قبره. وكذا قال أبوالجوزاء [1] عن ابن عباس [2] :
(1) قوله: «وكذا قال ابن الجوزاء» وهو أوس بن عبدالله الربعي بفتح الراء والباء، مات سنة ثلاث وثمانين «عن ابن عباس كان يلُتُّ السويق للحاج» ، وهذا الأثر رواه البخاري في صحيحه. والشاهد منه للترجمة أنهم غلوا فيه لأجل صلاحه واتخذوه وثناً بتعظيمه وعبادته، وصار من أكبر أوثان أهل الجاهيلة.
وفيه: معرفة صفة عبادة اللاَّت التي هي من أكبر الأوثان، ومعرفة أنّه قبر رجل صالح، وأنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
(2) قوله: «وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور» * أي من النساء «والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج» . رواه أهل السنن». وهذا يدل على تحريم زيارة القبور عليهن كما هو مذهب أحمد وطائفة، وقيل في تعليل ذلك: إنه يخرجها إلى الجزع والندب والنياحة، وحديث ابن عباس هذا في إسناده أبوصالح مولى أم هاني، وقد ضعّفه بعضهم ووثقه بعضهم، قال علي بن المديني عن يحيى القطان: «لم أرَ أحداً من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هاني وما سمعت أحداً من الناس يقول فيه شيئاً، ولم يتركه شعبة ولا زائدة ولا عبد الله بن عثمان، قال ابن معين: «لا بأس به؛ ولهذا أخرجه ابن السكن في صحيحه» . انتهى من «الذهب الإبريز» عن الحافظ المزي. وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 24/ 348 - 351] : «وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريقين: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن زوّارات القبور» . وذكر حديث ابن عباس ثم قال: رجال هذا ليس رجال هذا، فلم يأخذه أحدهما عن الآخر، وليس في الإسنادين من يُتهم بالكذب، ومثل هذا حجة بلا ريب، وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي، فإنه جعل
* أخرجه أبوداود (3236) ، والنسائي (4/ 95، 96) ، والترمذي (320) ، وابن ماجه (1575) ، وأحمد (1/ 229، 287، 237، 324) ، والحاكم (1/ 374) . قال الألباني: «ضعيف» . انظر ضعيف سنن أبي داود (ص326) رقم (706) .
الحسن ما تعددت طرقه وليس فيها متهم ولا خالفه أحدٌ من الثقات، هذا لو كان عن صاحب واحد، فكيف إذا كان هذا رواه عن صاحب وذلك عن آخر ويكفي في الاحتجاج به رواية أهل السنن له، ولم يذكر أحدٌ منهم له علة ولا معارض له». وقال أيضاً: «وما علمنا أحداً من الأئمة استحب لهن زيارة القبور، ولا كان النساء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور، ويؤيده ما في الصحيحين أنه نهى النساء عن اتباع الجنائز، والذين رخصوا في الزيارة اعتمدوا على ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبدالرحمن وقالت: لو شهدتك ما زرتك. وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة للنساء كما تستحب للرجال، ولو كانت كذلك لاستُحبت زيارته سواء شهدته أم لا. وهذا لا حجة فيه لمن قال بالرخصة، وهذا السياق لحديث عائشة. رواه الترمذي من رواية عبدالله بن أبي مليكة عنها يخالف سياق الأثر له عن عبدالله بن أبي مليكة أيضاً أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين، أليس نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، نهى عن زيارة القبور، ثم أمر بزيارتها*. ولا حجة في حديث عائشة، فإن المحتج عليها احتج بالنهي العام، فدفعت بأن ذلك منسوخ ولم يذكر لها المحتج عليها النهي الخاص بالنساء الذي فيه لعنهن على الزيارة، يبيّن ذلك قولها: أمر بزيارتها، فهذا يبيِّن أنه أمر بها أمراً يقتضي الاستحباب، والاستحباب إنما هو ثابت للرجال خاصة، ولو كانت تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرجال ولم تقل لأخيها لما زرتك، واللعن صريح في التحريم والخطاب بالأول في قوله: فزوروها، لم يتناول النساء، فلا يدخلن في الحكم الناسخ، والعام إذا عرف أنه بعد الخاص لم
* أخرجه الحاكم (1/ 376) ، وعنه البيهقي (4/ 78) ، وقد سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: «صحيح» ، وأعلَّه الإمام ابن القيم. انظر: أحكام الجنائز للألباني (ص/230) .