اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [1] ».
(1) وقوله: «اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» هذا الوعيد يدل على تحريم البناء على القبور وتحريم الصلاة عندها وأن ذلك من الكبائر، وفي الحديث تفسير الأوثان وتفسير العبادة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه
وقرن بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وذكر شدة الغضب من الله. قاله المصنف رحمه الله.
وقد عظمت الفتنة بتعظيم القبور وعبادتها كما قال ابن مسعود: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، تجري على الناس يتخذونها سنة، إذا غُيِّرت قيل: غُيّرت السُّنَة؛ ولخوف الفتنة نهى عمر - رضي الله عنه - عن تتبع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن وضّاح: سمعت عيسى بن يونس يقول: أمر عمرُ - رضي الله عنه - بقطع الشجرة التي بُويع تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلُّون تحتها فخاف عليهم الفتنة. وقال المعرور بن سويد: صليتُ مع عمر - رضي الله عنه - بطريق مكة صلاة الصبح ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلَّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم يصلّون فيه. فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبِيَع، فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمّدها.
وفي «مغازي» ابن إسحاق عن زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا أبوالعالية قال: لما فتحنا تُستُر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميّت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر فدعى كعباً فنسخه بالعربية فأنا أول رجل قرأه من العرب قرأته مثل ما أقرأ القرآن. فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد. قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة فلما كان الليل دفناه و سوّينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه. قلت: ما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون. فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجلٌ يُقال له دانيال. فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة. قلت: ما كان تغير منه شيء؟ فقال: لا، إلا شُعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض.