روى مالكُ في الموطأ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد [1] ،
(1) التشبه بفعل أولئك سداً للذريعة، وقد ذكروا في أسباب كراهته لذلك أن هذا اللفظ قد صار كثير من الناس يريدون به الزيارة البدعية الشركية وهي قصد الميت لسؤاله ودعائه والرغبة إليه في قضاء الحوائج وغير ذلك مما يفعله كثير من الناس، فهم يعنون بلفظ الزيارة مثل هذا، وهذا ليس بمشروع.
قوله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد» قد بالغ النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي وتحذير أمته عن اتخاذ القبور مساجد، وأخبر أن الله لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد وقال: «ألا وإن من كان قبلكم - يعني اليهود والنصارى - كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» . ودعا الله بأن لا يجعل قبره وثناً يُعبد، ودلّ الحديث على أن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - لو عُبد لكان وثناً، ودلَّ على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت التي عليها. قال القرطبي: «ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعلوا حيطان تربته وسدُّوا المداخل إليها وجعلوها محدقة بقبره - صلى الله عليه وسلم -، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين فتُصوّر الصلاة إليه بصورة العبادة فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرّفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحدٌ من استقبال قبره» . انتهى. وإلى هذا أشار العلامة ابن القيم بقوله [الكافية الشافية (292) ] :
قد ضمّه وثناً من الأوثان ... ودعا بأن لا يجعل القبر الذي
وأحاطه بثلاثة الجدران ... فأجاب ربُّ العالمين دعاءه
في عزة وحماية وصيان ... حتى غدت أرجاؤه بدعائه