فهرس الكتاب
الصفحة 90 من 683

وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) } [الأحزاب: 43] ، وقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) } [التوبة: 117] .

ولم يجيء قط (رحمن بهم) فعلم أن (الرحمن) هو الموصوف بالرحمة، (والرحيم) هو الرحيم برحمته" (1) 1)."

ويقول في موطن آخر:"ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين؛ مع ما في اسم (الرحمن) - الذي هو على وزن فعلان - من سعة هذا الوصف؛ وثبوت جميع معناه للموصوف به. ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا؛ وندمان، وحيران، وسكران، ولهفان، لمن مُلِئ بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول."

ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرًا، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } [طه:5] : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59] .

فاستوى على عرشه باسم الرحمن، لأن العرش محيطٌ بالمخلوقات؛ قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق؛ واسعة لهم، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] ، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء.

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق: كتب في كتاب - فهو عنده موضوعٌ على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي) (2) 1). وفي لفظٍ: (فهو عنده على العرش) (3) 2).

فتأمَّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة؛ ووضعه عنده على العرش، وطَابقْ بين ذلك وبين قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } [طه: 5] .

وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) } [الفرقان: 59] يفتح لك بابًا عظيمًا من معرفة الرب - تبارك وتعالى - إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم" (4) 3)."

(1) بدائع الفوائد 1/ 24.

(2) البخاري (7404) ، ومسلم: (2751) .

(3) البخاري: (3194) .

(4) مدارج السالكين 1/ 34.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام