ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء. وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم؟ وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد) ، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة وشركاء متشاكسين يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير، وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا هو الله - عز وجل - ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.
قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) }
[الزمر: 29] .
يعلق سيد قطب - رحمه الله تعالى - على هذه الآية فيقول:"يضرب الله المثل للعبد الموحد، والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضًا فيه، وهو بينهم موزع؛ ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف؛ وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق؛ ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح"..
"هل يستويان مثلاً؟"..