أولاً: إثبات صفة الجمال له سبحانه على الوجه اللائق به - عز وجل - على الحقيقة بلا كيف ولا تمثيل، جمال الذات والصفات والأسماء والأفعال قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } [الشورى: 11] ، قال القاضي أبو يعلى الفراء رحمه الله تعالى:"اعلم أنه غير ممتنع وصفه تعالى بالجمال وأن ذلك صفةٌ راجعة إلى الذات، لأنَّ الجمال في معنى الحُسْن، وقد تقدم في أول الكتاب قوله: (رأيتُ ربيِّ في أحسن صُورة) (1) وبيَّنَّا أنَّ ذلك صفةٌ راجعة إلى الذات كذلك ها هنا، ولأنه ليس في حمله على ظاهره ما يُحيل صفاته ولا يُخرجها عما تستحقه، لأنَّ طَريقَه الكمال والمدح، ولأنه لو لم يُوصف بالجمال جاز أنْ يُوصَفَ بضدِّه وهو القُبْح، وَلمَّا لم يجزْ أن يُوصف بضده؛ وجب أنْ يُوصف به، ألا تَرَى أنَّا وصفناه بالعلم والقدرة والكلام، لأن في نفيها إثباتُ أضدادها وذلك مستحيلٌ عليه، كذلك ها هنا."
فإن قيل: قوله:"جميل"بمعنى: مُجْمِل منْ شاء مِنْ خَلْقه، لأنَّ فعيل قد يجيء على معنى: مُفعل، ومنه قولنا: حكيمٌ، والمراد محكم لما فعله.
قيل: هذا غلطٌ، لأن الخبر وَرَد على سبب، وهو الحثُّ لهم على التَّجمُّل في صفاتهم لا على معنى التجميل في غيرهم فكان مقتضى الخبر، إنَّ الله جميلٌ في ذاته يجب أنْ تتجملوا في صفاتكم، فإذا حُمِل الخبر على فعل التجميل في الغير، عدل بالخبر عمَّا قُصِدَ به.
فإن قيل: معنى الجمال ها هنا الإحسان والإفضال، فيكون معناه: هو المظهر النعمة والفضل على مَنْ شاء من خَلْقه برحمته.
قيل: هذا غلطٌ لأنَّه قد ذَكَر الجمال والإحسان والإفضال فقال: (جميل يُحبُّ الجمالَ، وجوادٌ يحبُّ الجود، وكريمٌ يحبُّ الكرماء) (2) ، فإذا حَملنا الجمال على ذلك حُمِلَ اللفظٌ على التكرار وعلى ما لا يُفيد.
(1) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (448) .
(2) لم أقف على هذه الرواية.