فهرس الكتاب
الصفحة 622 من 683

إن التعبد لله سبحانه باسمه (الحيي) يثمر، ولا بد عند المؤمن، الحياء منه سبحانه من أن يكون على حالة مشينة يكرهها الله سبحانه ويسخطها فشعور العبد بجنايته يثمر له حياء من ربه سبحانه، وإجلالاً وعلى حسب معرفة العبد بربه وأسمائه وصفاته يكون حياؤه منه، وهذا هو حياء العبودية الذي عرفه ابن القيم - رحمه الله تعالى - بقوله:"هو حياء ممتزج من محبة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده وأن قدره أعلى وأجل منها فعبوديته له توجب استحياء منه لا محالة" (1) .

ثالثًا: الحياء من الخلق أن يروه على فعل قبيح أو خارم للمروءة، وهذا الحياء يحبه الله - عز وجل - بل هو من شعب الإيمان كما جاء في الحديث: (والحياء شعبة من الإيمان) (2) .

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الحياء خير كله أو كله خير) (3) .

ولكن ينبغي أن لا يكون الحياء سببًا لجهل الإنسان بالحق أو تفويت ما يحتاج إليه في دينه أو دنياه، فإنه في هذا الحال يصير مذمومًا، وما أحسن ما قاله الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن الحياء المحمود المحبوب لله - عز وجل - وأنه وسط بين القحِة والمجاهرة بالقبائح، وبين العجز والخور، يقول رحمه الله تعالى:"فإن النفس متى انحرفت عن التوسط انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين ولا بد فإن انحرفت عن خلق (التواضع) انحرفت إما إلى كبر وعلو وإما إلى ذل ومهانة وحقارة، وإذا انحرفت عن خلق (الحياء) انحرفت إما إلى قحة وجرأة وإما إلى عجز وخور ومهانة بحيث يطمع في نفسه عدوه، ويفوته كثيرٌ من مصالحه ويزعم أن الحامل له على ذلك الحياء وإنما هو المهانة والعجز وموت النفس" (4) .

لذا فإن من الحياء المذموم الامتناع عن قول الحق ومناصرته وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم والتفقه في الدين.

(1) مدارج السالكين 2/ 263.

(2) البخاري في الإيمان باب الإيمان، ومسلم في الإيمان عدد شعب الإيمان.

(3) البخاري (24) ، ومسلم (36) .

(4) مدارج السالكين 2/ 309، 310.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام