فهرس الكتاب
الصفحة 620 من 683

وعرف الراغب الحياء عند المخلوق بقوله:"انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك" (1) .

المعنى في حق الله تعالى:

نثبت صفة الحياء لله تعالى على ما يليق به كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها ولا نشبهها بحياء المخلوق.

وقد ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - اسمه سبحانه (الحيي) في نونيته وذكر بعض معانيه وذلك في قوله:

"وهو الحيي فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان"

لكنه يلقي عليه ستره فهو الستير وصاحب الغفران" (2) "

ويشرح الشيخ الهراس - رحمه الله تعالى - هذين البيتين بقوله:"وحياؤه تعالى وصفٌ يليق به، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يَعْتري الشخص عند خوف ما يُعاب أو يُذم، بل هو تركُ ما ليس يتناسب مع سعِة رحمته، وكمالِ جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه."

فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقرُ شيءٍ إليه، وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الربَّ سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه، يَستحي من هَتْكِ ستره وفضيحته، فيستره بما يُهيؤه له من أسباب الستر ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر" (3) ."

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى:"أما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه: (حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا) (4) ."

وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحيي هو، وفي أثر: من استحيى من الله استحيى الله منه" (5) ."

(1) المفردات ص 140.

(2) النونية 2/ 227.

(3) شرح النونية 2/ 80 للهراس.

(4) سبق تخريجه ص 765.

(5) مدارج السالكين 2/ 259 (باختصار) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام