وقال أيضًا:"... ونحوه ما جاء في حديث مطرف السابق، إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت سيدنا، فقال: (السيد الله تبارك وتعالى) ، قلنا: وأفْضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: (قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان) ."
قال أبو منصور الأزهري: كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يُمدح في وجهه، وأحبَّ التواضع لله تعالى، وجَعلَ السيادة للذي ساد الخلق أجمعين، وليس هذا بمخالف لقوله لسعد بن معاذ حين قال لقومه الأنصار: (قوموا إلى سيدكم) أراد أنه أفضلكم رجلاً وأكرمكم.
وأما صفة الله - جلَّ ذكره - بالسيد فمعناه أنه مالكُ الخلقِ، والخَلقُ كلُّهم عبيده.
وكذلك قوله: (أنا سيِّدُ وَلدِ آدم ولا فخرَ) أراد أنه أولُ شفيعِ وأولُ من يُفتح له بابُ الجنة، قال ذلك إخبارًا عما أكرمه الله به من الفَضل والسُّؤْدَدِ، وتحدُّثًا بنعمة الله عنده، وإعلامًا منه ليكونَ إيمانُهم به على حَسَبه وموجبه.
ولهذا أتْبَعَه بقوله: (ولا فخر) أي: إنَّ هذه الفضيلة التي نلتُها كرامةٌ لله، لم أنَلها من قِبَل نفسي، ولا بَلغْتُها بقوتي فليس لي أن أفْتخَر، وقيل في معنى قوله لهم لما قالوا له: أنت سيدنا: (قولوا بقولكم) ادعوني نبيّاً ورسولاً كما سمَّاني الله، ولا تُسموني سيِّدًا كما تُسمون، فإني لست كأحدِهم ممن يَسودُكم في أسباب الدنيا" (1) ."
وقال الخطابي: وإنما منعهم ـ فيما نرى ـ أن يَدْعوه سيدًا، مع قوله: (أنا سيد ولد آدم) ، وقوله لقومه: (قوموا إلى سيدكم) يريد سعد بن معاذ، من أجل أنهم قومٌ حديثٌ عهدهم بالإسلام (2) .
ومما يؤيد جواز إطلاقه على المخلوق قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين) (3) .
وقول عمر - رضي الله عنه - عنه:"أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا"، يعني بلالاً رضي الله عنهم جميعًا (4) .
(1) انظر لسان العرب 3/ 2144.
(2) معالم السنن للخطابي 7/ 176، 177.
(3) البخاري في العتق (2546) .
(4) البخاري 5/ 179 فضائل الصحابة.