فهرس الكتاب
الصفحة 606 من 683

وكما أن القرآن فيه شفاء لأمراض القلوب من الشبهات والشهوات، وكذلك فيه شفاء لأمراض الأبدان والأجساد، كما شفي الملدوغ بقراءة الفاتحة ولكن حاجته إلى شفاء القلوب أعظم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب فإن آخر ما يُقَدَّر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قبله موتًا لا ترجى الحياة معه أبدًا أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا" (1) .

ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - عند آية (يونس) السابقة:"ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضله ورحمته التي تتضمن الموعظة، وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة فأخبر سبحانه: أن ما آتى عباده من الموعظة التي هي الأمر والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، وشفاء الصدور، المتضمن لعافيتها، من داء الجهل، والظلمة، والغي، والسفه وهو أشد ألمًا لها من أدواء البدن، ولكنها لما ألفت هذه الأدواء لم تحس بألمها، وإنما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدنيا. فهنالك يحضرها كل مؤلم محزن، وما آتاها من ربها الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، وحياة الروح به، و"الرحمة"التي تجلب لها كل خير ولذة، وتدفع عنها كل شر ومؤلم."

فذلك خير من كل ما يجمع الناسُ من أعراض الدنيا وزينتها، أي: هذا هو الذي ينبغي أن يُفْرح به، ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به، لا ما يجمع أهل الدنيا منها، فإنه ليس بموضع للفرح، لأنه عرضة للآفات، ووشيك الزوال، ووخيم العاقبة، وهو طيف خيال زار الصب في المنام، ثم انقضى المنام وولى الطيف وأعقب مزاره الهجران" (2) ."

(1) مجموع الفتاوى 19/ 96.

(2) بدائع التفسير 2/ 408.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام