فهرس الكتاب
الصفحة 584 من 683

3 -البعد عن صفة المنة على الخلق؛ لأن الله سبحانه هو المان الحقيقي على عباده، وقد نهى الله - عز وجل - ورسوله صلى الله عليه وسلم عن المن بالعطية ورؤية النفس وإيذاء الفقراء بالمن عليهم، قال الله - عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مِنَّةً، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) (1) .

وقسم ابن القيم - رحمه الله تعالى - المن على الناس إلى قسمين فقال:

"فالمن نوعان: أحدهما مَنٌّ بقلبه من غير أن يصرح به بلسانه، وهذا إن لم يبطل الصدقة فهو من نقصان شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحِرمان غيره، وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه، فللّه المنة عليه من كل وجه، فكيف يشهد قلبه منة لغيره؟"

والنوع الثاني: أنْ يمنَّ عليه بلسانه، فيعتدي على من أحسنَ إليه بإحسانه، ويُريه أنه اصطنعه، وأنه أوجب عليه حقًا وطوَّقه مِنةً في عنقه فيقول: أما أعطيتك كذا وكذا؟ ويعدد أياديه عنده.

قال سفيان: يقول أعطيتك فما شكرت.

وقال عبد الرحمن بن زياد: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلاً شيئًا ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه، وكانوا يقولون: إذا اصطنعتم صنيعةً فانسوها، وإذا أُسْدِيت إليكم صنيعة فلا تنسوها.

وفي ذلك قيل:

وإنْ أمرؤ أهْدى إليَّ صَنِيعةً وذَكَّرنِيها مرةً لَبَخيلُ

وقيل: صِنْوانٌ مَنْ مَنَحَ سائله ومنَّ، ومَن مَنعَ نائله وضَنَّ.

... وحظر الله على عباده المنَّ بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه، لأنَّ منَّ العباد تكديرٌ وتَعيير، ومَنَّ الله سبحانه وتعالى إفضال وتذكير.

وأيضًا: فإنه هو المنعم في نفس الأمر والعباد وسائط؛ فهو المنعم على عبده في الحقيقة.

(1) مختصر صحيح مسلم للألباني (1360) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام