فهرس الكتاب
الصفحة 550 من 683

والشعور بالافتقار إلى الله - عز وجل - يجعل العبد خائفًا راجيًا متوكلاً على ربه سبحانه في دفع الضرر، وجلب النفع، متبرئًا من الحول والقوة، متضرعًا إلى ربه سبحانه، وداعيًا له في كل حين بالهداية والحفظ والتوفيق، وأن لا يكله سبحانه إلى نفسه طرفة عين فيضيع ويهلك، وعن هذه المعاني يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"قال الله سبحانه: {* يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) } [فاطر: 15] ، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنيًا حميدًا ذاتي له، فغناه وحمده ثابتٌ له لذاته لا لأمرٍ أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت لذاته لا لأمر أوجبه، فلا يُعلّل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلةٍ أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب سبحانه لذاته لا لأمر أوجب غناه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"

والفَقْرُ وَصفُ ذاتٍ لازمٍ أبدًا كما الغنى أبدًا وَصْفٌ له ذاتي

فالخلق فقيرٌ محتاج إلى ربه بالذات لا بعلة، وكل ما يُذكر ويُقرر من أسباب الفقر والحاجة فهي أدلة على الفقر والحاجة لا عِلَلٌ لذلك، إذ ما بالذاتَ لا يُعلل، فالفقير بذاته محتاج إلى الغني بذاته، فما يُذكر من إمكان وحُدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له ...

والمقصود أنه سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه سبحانه، كما أخبر عن ذاته المقدسة وحقيقته أنه {غَنِيٌّ حَمِيدٌ} فالفقر المطلق من كلِّ وجهٍ ثابتٌ لذواتهم وحقائقهم من حيث هي، والغنى المطلق من كل وجه ثابتٌ لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي، فيستحيل أن يكون العبد إلا فقيرًا، ويستحيل أن يكون الربُّ سبحانه إلا غنيًا، كما أنه يستحيل أن يكون العبد إلا عبدًا والرب إلا ربًا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام