ولا تظنن أن الطفل الذي يحتاج إلى أمه، ترضعه وتتعهده فليس الله حسيبه وكافيه، بل الله كفاه إذ خلق أمه، وخلق اللبن في ثديها، وخلق له الهداية إلى التقامه، وخلق الشفقة والمودة في قلب الأم حتى مكنته من الالتقام، ودعته إليه وحملته عليه.
فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب، والله وحده المتفرد بخلقها ... فهو وحده حسب كل أحد، وليس في الوجود شيء وحده هو حسب شيء سواه، بل الأشياء يتعلق بعضها ببعض، وكلها تتعلق بقدرة الله تعالى" (1) ."
ثانيًا: وعلى المعنى الثاني لاسمه سبحانه (الحسيب) وهو المحاسب الذي أحصى كل شيء على عباده ويوم القيامة يحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم؛ إن هذا المعنى يثمر في قلب المؤمن الخوف والوجل من الله - عز وجل - ومحاسبة النفس، والاستعداد لهذا الحساب بالطاعات واجتناب المحرمات ومظالم العباد، لأنه سيقف بين يدي الحكم العدل الذي قال عن نفسه سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) } [الأنبياء: 47] ، وقال - عز وجل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) } [الأنعام: 62] .
وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } [الكهف: 49] .
(1) المقصد الأسنى ص 72.