ومع ذلك فالله - عز وجل - يحلم عنهم ويتأنى بهم فتبارك الله العظيم الحليم الذي له الحمد في السماوات والأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير.
خامسًا: مجاهدة النفس بالتخلق بهذا الخلق الكريم ألا وهو صفة (الحلم) ، فهو سبحانه (حليم) يحب من عباده الحلماء، كريم يحب الكرماء.
وقد أثنى الله - عز وجل - على خليله ونبيه إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) } [هود: 75] .
وجعل من صفات نبيه إسماعيل - عليه الصلاة والسلام - الحلم، وذلك بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) } [الصافات: 10] ، وكان لرسولنا صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر من هذا الخلق العظيم وسيرته العطرة تشهد بذلك.
كما جاء في الأثر مدح صفة الحلم وأنه من الأخلاق التي يحبها الله - عز وجل - حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد قيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة) (1) .
والحلم الممدوح المحبوب لله - عز وجل - هو الحلم الناشئ عن القدرة، أما حلم العاجزين فليس بممدوح، وكذلك ينبغي أن لا يتكلف في الحلم حتى يصير ذلة ومهانة واستخفافًا من قبل السفهاء، ولا يفرَّط فيه حتى يصير طيشًا وجهلاً، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"والفرق بين العفو والذل أن العفو إسقاط حقك جودًا وكرمًا وإحسانًا مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق، بخلاف الذل، فإن صاحبه يترك الانتقام عجزًا وخوفًا ومهانة نفس، فهذا مذموم غير محمود، ولعل المنتقم بالحق أحسن حالاً منه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) } [الشورى: 39] " (2) .
اقتران اسمه سبحانه (الحليم) ببعض الأسماء الحسنى:
أولاً: اقتران اسمه سبحانه (الحليم) باسمه سبحانه (العليم) :
(1) مسلم في الإيمان (18) .
(2) الروح ص 513.