فهرس الكتاب
الصفحة 456 من 683

فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندًا ويجعلون له ولدًا وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم) (1) .

ومن هذا شأنه يحب الحب كله ويستحي منه حق الحياء، وهذا يثمر في القلب الأنس به سبحانه والمبادرة إلى طاعته وترك معاصيه.

ولو عاجل الله - عز وجل - العصاة بعذابه ولم يحلم عليهم لما بقي على وجه الأرض أحد.

قال سبحانه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) } [النحل: 61] .

وقال: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ Wx ح ِ qtB (58) } [الكهف: 58] .

قال ابن جرير رحمه الله تعالى:"ولو يؤاخذ الله عصاة بني آدم بمعاصيهم: {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا} يعني: الأرض من دابة تدبّ عليها {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} يقول: ولكن بحلمه يؤخِّر هؤلاء الظلمة، فلا يعاجلهم بالعقوبة: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يقول: إلى وقتهم الذي وقَّتَ لهم: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} يقول: فإذا جاء الوقت الذي وَقَّتَ لهلاكهم لا يستأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يستقدمون قبله حتى يستوفوا آجالهم"أهـ (2) .

ثانيًا: فتح باب الرجاء وعدم اليأس من رحمة الله تعالى والمبادرة إلى التوبة والإنابة عن الذنوب مهما عظمت؛ لأنه سبحانه ما أخَّر العقوبة على الذنب إلا للإنابة والتوبة، ولذلك اقترن اسمه سبحانه (الحليم) باسمه سبحانه (الغفور) في أكثر من آية.

(1) رواه مسلم (2804) .

(2) تفسير الطبري 14/ 85.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام