فدلَّ على أن ذلك قبيحٌ ممتنعٌ نسبته إليه؛ كما يمتنع أن يُنسب إليه سائرُ ما يُنافي كماله المقدس، ولو كان نفي تركه سدى إنما يُعلم بالسمع المجرَّد، لم يقل بعد ذلك: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً} [القيامة: 37] ، إلى آخره؛ ومما يدلُّ أن تعطيل أسمائه وصفاته ممتنعٌ، وكذلك تعطيل موجبها ومقتضاها، فإن ملكَه الحقَّ يستلزم أمره ونهيه؛ وثوابه وعقابه، وكذلك يستلزم إرسال رسله؛ وإنزال كتبه، وبعث المعاد ليومٍ يجزي فيه المحسن بإحسانه؛ والمسيء بإساءته، فمن أنكر ذلك فقد أنكر حقيقة ملكه؛ ولم يُثبت له المُلكَ الحقَّ، ولذلك كان منكر ذلك كافرًا بربِّه؛ وإن زعم أنه يُقرُّ بصانع العالم، فلم يُؤمن بالملك الحقِّ؛ الموصوف بصفات الجلال والمستحقِّ لنعوت الكمال" (1) 1)."
وقال أيضًا:"من المحال الممتنع عند كل ذي فطرةٍ سليمةٍ: أن يكون (الملك الحقُّ) عاجزًا؛ أو جاهلاً لا يعلم شيئًا، ولا يسمع ولا يبصر، ولا يتكلَّم ولا يأمر ولا ينهى، ولا يُثيب ولا يُعاقب، ولا يُعِزُّ من يشاء ولا يُذِلُّ من يشاء، ولا يُرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها، ولا يعتني بأحوال رعيته بل يتركهم سدى؛ ويُخلِّيهم هملاً، وهذا يقدح في ملك آحاد البشر، لا يليق به، فكيف يجوز نسبة الملك الحق المبين إليه؟" (2) 2).
اقتران اسمه سبحانه (الحق) باسمه - عز وجل - (المبين) :
جاء ذلك مرة واحدة في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) } [النور: 25] .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} أن (المبين) وصف للحق لوضوحه وبيانه.
(1) التبيان في أقسام القرآن ص 204، 205.
(2) الداء والدواء ص 55، 56.