وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [1] [الكوثر:2] .
عن عليٍّ (2) - رضي الله عنه - قال: حدَّثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات: «لعن اللهُ من ذبح لغير الله [2] ،
(1) جميع ذلك له دون ما سواه، فإذا تقرّبوا إلى غير الله بالذبح أو غيره من أنواع العبادة فقد جعلوا لله شريكاً في عبادته وهو ظاهر في قوله: {لا شَرِيكَ لَهُ} ، نفى أن يكون لله شريك في هذه العبادات، وهو بحمد الله واضح. قاله في «فتح المجيد» *.
وفيه: معرفة تفسير {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} . قاله المصنف رحمه الله.
وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال شيخ الإسلام [الفتاوى 16/ 531] : «أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين، وهما: الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع، والافتقار وحسن الظن، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عِدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم، يسألونه إياها، والذين لا ينحرون له خوفاً من الفقر، ولهذا جمع بينهما في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فإنهما أجلّ ما يُتقرّب به إلى الله، ولهذا أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله من الكوثر. وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وما يجتمع له عند النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين وحسن الظن أمرٌ عجيب، وكان - صلى الله عليه وسلم - كثير الصلاة كثير النحر» . انتهى.
وفيه: معرفة تفسير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . قاله المصنف رحمه الله تعالى.
(2) قوله: «عن علي» وهو الإمام أبوالحسن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوج فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، كان من السابقين الأولين ومن أهل بدر وبيعة الرضوان، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ورابع الخلفاء
الراشدين، ومناقبه مشهورة، قتله ابن ملجم الخارجي في رمضان سنة أربعين. «قال حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله» أصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبّ والدعاء. قاله أبوالسعادات. وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة.
قال شيخ الإسلام على قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة:173] : «ظاهره أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقال: هذا ذبيحة لكذا. وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ. وتحريم هذا ظهر من تحريم ما ذبح النصراني للحم، وقال فيه: باسم المسيح ونحوه كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله تعالى أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله، فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة أو قصد به ذلك أَوْلَى، فإن العبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله، فعلى هذا لو ذبح لغير الله متقرباً إليه يحرم، وإن قال فيه باسم الله كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان:
الأول: أنها مما أهل به لغير الله.
والثاني: أنها ذبيحة مرتد.
ومن هذا ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن ولهذا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذبائح الجن».
قال الزمخشري: «كانوا إذا اشتروا داراً أو بنوها أو استخرجوا عيناً ذبحوا ذبيحة خوفاً من أن تصيبهم الجن فأضيفت إليهم الذبائح لذلك» .
قال في «الشرح» *: «قال النووي: وذكر الشيخ إبراهيم المَرُّوذِي من
* (ص/155) .