وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الرُّقَى والتمائم والتِوَلة شرك» . رواه أحمد وأبوداود [1] .
(1) ويعلقون عليها العوذ يظنون أنها تعصمهم من الآفات فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وأعلمهم أن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئاً.
قلت: ومن هذا ما يفعله بعض الجهال من وضع رأس حمار ميت على باب بستانه أو شجرة صبار أو نعل قديمة على باب بيته لدفع العين، وما يفعله بعض النساء من وضع رسم صليب على جبهة ولدها، وهذا كله من الشرك الأصغر الاعتقادي المحرم، ولا يرد من قدر الله شيئاً.
قوله: «وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» . رواه أحمد وأبوداود» * وفيه قصة، ولفظ أبي داود: عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود أن عبدالله رأى في عنقي خيطاً فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رُقي لي فيه. قالت: فأخذه فقطعه. ثم قال: أنتم آل عبدالله الأغنياء عن الشرك! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» فقلت: لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقاها سكنت. فقال عبدالله: إنما ذلك الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقى كفَّ عنها، إنما يكفيك أن تقول كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أَذهِبْ الباس رب الناس، أشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً» ** ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح، وأقره الذهبي.
فالرقى الموصوفة بكونها شركاً هي الرقى التي فيها شرك من دعاء غير الله أو الاستغاثة أو الاستعاذة به وكالرقى بأسماء الملائكة والأنبياء والأولياء والجن ونحو ذلك.
* أخرجه أبوداود (3883) ، وأحمد (1/ 381) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 735 - 736) رقم (3288) .
** أخرجه مسلم (2191) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقال شيخ الإسلام [الفتاوى 1/ 264 - 265] : «حصول الغرض ببعض الأمور لا يدل على إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع» . انتهى.
قوله: «والرقى» هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العين والحمة، كالرقى بالقرآن وأسماء الله وصفاته ودعائه والاستغاثة به وحده لا شريك له فليست ممنوعة بل جائزة أو مستحبة، كما في صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال: كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «أعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك» * وفيه: عن أنس - رضي الله عنه - قال: رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والحُمَة والنملة**، وقد رقى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورقى النبي أصحابه.
قال الخطابي [معالم السنن 4/ 226] : «وكان عليه السلام قد رَقَى ورُقِي، وأمر بها وأجازها. فإذا كانت بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة أو مأمور بها. وإنما جاءت الكراهة والمنع، فيما كان منها بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفراً أو قولاً يدخله الشرك.
قال: ويحتمل أن يكون الذي يكره منها ما كان على مذاهب الجاهلية التي يتعاطونها وأنها تدفع عنهم الآفات، ويعتقدون ذلك من قبل الجن ومعونتهم». انتهى. ولذا قال علي - رضي الله عنه: إن كثيراً من هذه الرقى والتمائم شرك فاجتنبوه. رواه وكيع.
* أخرجه مسلم (2200) .
** أخرجه البخاري (5741) ، ومسلم (2196) .
وقال ابن التِّين: «الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الرباني، فإذا كان على لسان الأبرار من الخلق، حصل الشفاء بإذن الله تعالى. فلما عَزَّ هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المُعَزِّم وغيره ممن يدَّعِي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل؛ يجمع إلى ذكر الله تعالى وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم , ويقال: إن الحيَّة لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذلك اللديغ إذا رُقي بتلك الأسماء سالت سمومها من بدن الإنسان، ولذلك تكره الرقى ما لم تكن بآيات الله وأسمائه خاصة، وباللسان العربي الذي يعرف معناه، ليكون بريئاً من شوب الشرك» . انتهى.
وقال شيخ الإسلام: «كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به، فضلاً عن أن يدعو به ولو عُرف معناه؛ لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يُرخَّص لمن لا يعرف العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعاراً فليس من دين الإسلام» انتهى.
وسُئل ابن عبدالسلام عن الحروف المقطعة فمنع منها ما لا يعرف لئلا يكون فيه كفر.
وقال السيوطي: «أجمع العلماء على جواز الرقى، عند اجتماع ثلاثة شروط:
* أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته.
* وباللسان العربي وبما يعرف معناه.
* وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى».
قوله: «والتِّوَلة» بكسر المثناة وفتح الواو مخففة، شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته، بهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث وهو ضرب من السحر.