وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [1] الآية [الزمر: 38] .
وعن عِمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً في يده حلقة من صُفْرٍ. فقال: «ما هذه؟» قال: من الواهنة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً؛ فإنك لو مِت وهي عليك ما أفلحت أبداً» [2] .
(1) «وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر:38] أي مرض أو فقر أو بلاء أو شدة {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} أي لا يستطيعون ذلك {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي الله كافيني {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} قال مقاتل: فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسكتوا؛ لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها بل يعلمون أن القادر على ذلك هو الله وحده كما قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:2] ، وهذا شأن كل من يدّعي من دون الله من الملائكة والأنبياء والصالحين لا يملك أحدٌ منهم كشف ضر ولا إمساك رحمة؛ فبطلت دعوتهم، ودعوة غيرهم في الأصنام والآلهة أبطل؛ لأنها جماد ولا تعقل شيئاً، ومن هذا القبيل لبس الحلقة والخيط ونحوهما، لا تستطيع دفع البلاء ولا رفعه، فاستدل المصنف رحمه الله تعالى بالآية التي نزلت في الشرك الأكبر على الأصغر، كما فعل حذيفة لما رأى رجلاً في يده خيطاً من الحمى فقطعه، وتلا
(2) قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة.
قوله: «وعن عمران بن حصين» بن عبيد بن خلف الخزاعي أبونجيد، بنون وجيم مصغر، صحابي ابن صحابي، أسلم عام خيبر ومات سنة اثنين وخمسين بالبصرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً في يده حلقة من صفر» هو عمران بن حصين راوي الحديث، كما رواه الحاكم قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يدي حلقة من صفر. «فقال: «ما هذه؟» يحتمل أن يكون الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها، ويحتمل أن يكون للإنكار وهو أظهر «قال من الواهنة» وهي عرق يأخذ بالمنكب وفي اليد كلها فيرقى منها، وقيل: هو مرض يأخذ في العضد وربما علق عليها جنس من الخرز يقال له خرز الواهنة وهي تأخذ الرجال دون النساء «فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «انزعها» فأمره بنزعها. والنزع الجذب بقوة «فإنها لا تزيدك إلا وهناً» لأن المشرك يعامل بنقيض قصده «فإنك لو مِت وهي عليك ما أفلحت أبداً» والفلاح والفوز والظفر والسعادة، أي ما فزت ولا ظفرت ولا سعدت.
وفيه: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك، وأن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح أبداً.
وفيه: شاهدٌ لكلام بعض الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة، وأنها لا تنفع في العاجل بل تضر، لقوله «لا تزيدك إلا وهناً» والإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك والتصريح بأن من تعلّق شيئاً وُكِلَ إليه. قاله المصنف رحمه الله.
قلت: ومن هذا القبيل ما يسمى بالمعضد الذي يُوتى به من الخارج ويلبس في الشمال عن الروماتيزم. ومنه أيضاً الحلق الذي يتخذ من الذهب أو الفضة ويُلبسه