وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [1]
(1) الله، فمن سوَّى بين المخلوق والخالق في شيء من ذلك فقد عدل بالله، وهو من الذين هم بربهم يعدلون.
والأصل الثاني: أن يعبده بما شَرَع على ألسنةِ رُسِلِه، لا تعبده إلا بواجب أو مستحب، والمباح إذا قصد به الطاعة دخل في ذلك».
قوله: «وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} » أثنى تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد:
الأولى: أنه كان «أُمَّة» أي قدوة وإماماً يقتدى به ومعلماً للخير.
روي معناه عن ابن مسعود، وقال مجاهد: كان إبراهيم أُمَّة أي مؤمناً وحده والناس كلهم كفار إذ ذاك.
الثانية: أنه كان «قانتاً لله» أي خاشعاً مطيعاً لربه دائماً على طاعته وعبادته. قال شيخ الإسلام: «القنوت في اللغة دوم الطاعة، والمصلِّي إذا أطال قيامه وركوعه وسجوده فهو قانت قال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] » .
الثالثة: كونه «حنيفاً» أي مائلاً منحرفاً عن الشرك قاصداً إلى التوحيد.
قال ابن القيم رحمه الله [مفتاح دار السعادة 1/ 174] : «الحنيف المقبل على الله المعرض عما سواه» . قال تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] ».
وقال المصنف على قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين، {قَانِتًا لِلَّهِ} لا للملوك ولا للتجار المترفين {حَنِيفًا} لا يميل يميناً ولا شمالاً كفعل العلماء المفتونين {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} خلافاً لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين». انتهى.