فإن هم أجابوك [1] فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه [2] فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تُخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تُخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا». رواه مسلم [3] .
(1) قوله: «فإن هم أجابوك» يعني إلى إعطاء الجزية «فاقبل» الجزية منهم «وكف عنهم فإن هم أبوا» أن يعطوا الجزية «فاستعن بالله وقاتلهم» وفيه الاستعانة بالله وقتالهم عند امتناعهم من أداء الجزية.
(2) قوله: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه» والذمة العهد «فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تُخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه» .
وقوله: «تخفروا» أي تنقضوا، قال في «في النهاية» أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه. قال في «إبطال التنديد» *: وهذا نهي تنزيه، أي لا تجعل لهم ذمة الله فإنه قد ينقضها من لا يعرف حقها كبعض الأعراب وسواد الجيش، فكأنه يقول: إن وقع نقض عهد من متعد أو جاهل كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الخالق تعالى.
(3) قوله: «وإذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم علىحكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» رواه مسلم، فيه: دليل على أنه ليس كل مجتهد مصيب، بل المصيب واحد، وهو الموافق لحكم الله في نفس الأمر، ووجه الاستدلال به أنه - صلى الله عليه وسلم - قد
* (ص/307 - 308) .
نصَّ على أن لله تعالى حكماً معيناً في المجتهدات، فمن وافقه فهو المصيب، ومن لم يوافقه فهو المخطئ. قاله في «فتح المجيد» *. وفيه: الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه وذمة المسلمين، والإرشاد إلى أقل الأمرين خطراً، والفرق بين حكم الله وحكم العلماء، وكون الصحابي يحكم عند الحاجة بحكم لا يدري أيوافق حكم الله أم لا. قاله المصنف.