عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: يُؤذيني ابنُ آدم، يَسُبُّ الدهرَ، وأنا الدهرُ، أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ» .
وفي رواية: «لا تسبُّوا الدهرَ، فإن الله هو الدهر» [1] .
(1) قوله «وفي رواية: لا تسبُّوا الدهر فإن الله هو الدهر» *** هذه الرواية ذكرها
مسلم وغيره. قال الشافعي وأبوعبيد وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو
* ... (ص/527) .
** أخرجه البخاري (4826) ، (6181) ، (7491) .
*** عند مسلم (2246) .
بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنما سبوا الله سبحانه لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لا أن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال وهذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد. والله أعلم. وقد تبيَّن بهذا خطأ ابن حزم في عدِّه الدهر من أسماء الله الحسنى، ولو كان كذلك لكان الذين قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} صادقين. قاله في «الشرح» *.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وفي مسبّة الدهر ثلاث مفاسد عظيمة:
أحدها: مسبة من ليس أهلاً للسبّ، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره متذلل لتسخيره فسابه أولى بالسب والذم منه.
والثانية: أن سبَّه متضمن للشرك فإنما سبّه لظنه أنه يضر وينفع وأنه مع ذلك ظالم قد ضر من لا يستحق الضرر ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان، و أعطى من لا يستحق العطاء وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبِّه كثيرة جداً، وكثير من الجهَّال يصرِّح بلعنه وتقبيحه.
الثالثة: أن السبَّ منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق أهواءهم فيها لفسدت السموات والأرض، فإذا وافقت أهواءهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه، وفي حقيقة الأمر فرب الدهر هو المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل، والدهر ليس له من الأمر شيء فمسبّتهم مسبة لله عز وجل؛ ولهذا كانت مؤذية لله تعالى، فساب الدهر دائر بين أمرين لابد له من أحدهما: إما مسبة الله، أو الشرك به، فإنه إن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله
* (ص/530) .
وحده هو الذي يفعل ذلك وهو يسبّ من فعله فهو سب لله تعالى». انتهى.
وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، لقوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} الآية [يوسف:48] .
وفيه: النَّهيُ عن سبِّ الدهر، وتسميتُه أذىً لله، والتأمل في قوله «فإن الله هو الدهر» ، وأنه قد يكون سابَّاً وإن لم يقصده بقلبه. قاله المصنف رحمه الله تعالى.