فهرس الكتاب
الصفحة 265 من 358

ولابن ماجه، عن الطفيل أخي عائشة لأمّها (1) قال: رأيت كأني أتيتُ على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القومُ، لولا أنكم تقولون: عُزير ابنُ الله [1] .

(1) «أجعلتني لله عدلاً» والمعنى واحد. قاله في «الشرح» *. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومن الشرك في الألفاظ قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال له: ما شاء الله وشئت. فقال: «أجعلتني لله نداً؟» هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت. ثم انظر أيهما أفحش؟

وقوله «أجعلتني لله نداً؟ فكيف بمن قال:

سواك عند حلول الحادث العمم ... يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

ومن علومك علم اللوح والقلم ... فإن من جودك الدنيا وضرتها

فضلاً وإلا فيا زلَّة القدم ... إن لم تكن في معادي آخذا بدي

وقوله:

واحكم بما شئتَ مدحاً فيه واحتكم ... دع ما ادعته النصارى في نبيهموا

أحيا اسمُه حين يُدعى دارسَ الرمم ... لو ناسبَتْ قدره آياته عظماً

قوله: «عن الطفيل أخي عائشة لأمها» وهو الطفيل بن عبدالله بن سخبرة صحابي له حديث عند ابن ماجه، وهو ما ذكره المصنف في الباب، قال البغوي لا أعلم له غيره «قال: رأيتُ» أي فيما يرى النائم «كأني أتيتُ» أي مررتُ «على نفر من اليهود فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله» أي نعم القوم أنتم لولا ما أنت عليه من الشرك والمسبّة لله بنسبة الولد إليه «قالوا: وأنتم

* (ص/521) .

لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد» * عارضوه بذكر شيء مما في المسلمين من الشرك الأصغر «ثم مررتُ بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله. قالوا: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، قال فلما أصبحتُ أخبرتُ بها من أخبرتُ ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فحمد الله وأثنى عليه» والثناء هو تكرار المحامد. قاله ابن القيم رحمه الله. «ثم قال: أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها» . وفي رواية أحمد والطبراني «كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها» وهذا الحياء منهم ليس على سبيل الحياء من الإنكار عليهم، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يكرهها ويستحي أن يذكرها؛ لأنه لم يُؤمر بإنكارها، فلما جاء الأمر الإلهي بالرؤيا الصالحة أنكرها، ولم يستحِ في ذلك. وفيه: دليل على أنها من الشرك الأصغر، إذ لو كانت من الأكبر لأنكرها من أول مرة قالوها. قاله في «الشرح» **. وهذه رؤيا حق أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل بمقتضاها «فنهاهم أن يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، وأمرهم أن يقولوا: ما شاء الله وحده» . قال في «فتح المجيد» ***: «وإن كانت رؤيا منام فهي وحي، يثبت بها ما يثبت بالوحي أمراً ونهياً. والله أعلم» .

وفيه: معنى قوله - صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» لأنه - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة وهو يتحنث في غار حراء كان يرى الرؤيا التي كانت تجيء مثل فلق الصبح مدة ستة أشهر وهي بالنسبة إلى مدة النبوة الثلاثة

* أخرجه ابن ماجه (2118) بنحوه، وأحمد (5/ 393) . وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 200) .

** (ص/703) .

أخرجه البخاري (6988) من حديث أبي هريرة، و (6987) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، ومسلم (2263، 2265) .

والعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً منها. وذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعاً فذكرها، وغالبها من صفات حامل الوحي، ومجموعها يدخل فيما ذكر. انتهى.

وفيه: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي، وأنها قد تكون سبباً لشرع بعض الأحكام، وأن قول ما شاء الله وشئت ليس من الشرك الأكبر لقوله: «يمنعني كذا وكذا» . قاله المصنف رحمه الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام