فهرس الكتاب
الصفحة 26 من 358

وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الآية [1]

(1) قوله: وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ومعنى آمنوا: وحدوا. وقوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: لم يخلطوا توحيدهم بشرك. {أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} قال الحسن والكلبي: لهم الأمن في الآخرة {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} في الدنيا. وهذا هو الشاهد من الآية للترجمة.

وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، وأيُّنا لا يظلم نفسه؟.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال

* (ص/23) .

العبد الصالح؟ {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، إنما هو الشرك» *.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [الفتاوى 7/ 80 - 81] : «والذين شقَّ عليهم ظنوا أن الظلم المشروط هو ظلم العبد لنفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه. فبيَّن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دلَّهم على أن الشرك ظلم في كتاب الله، فلا يحصل الأمن والاهتداء إلاّ لمن لم يُلبس إيمانه بهذا الظلم. فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة يعني: الظلم الذي هو الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلم نفسه كان له الأمن والاهتداء مطلقاً، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه» . قال: «وليس مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إنما هو الشرك» أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبيِّن أن أهل الكبائر معرضون للخوف لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام، فالأمن أمنان: أمنٌ مطلق، وأمنٌ مقيَّد.

فالأول: هو الأمن من العذاب، وهو لمن تاب على التوحيد ولم يصرّ على الكبائر.

الثاني: لمن مات على التوحيد مع الإصرار على الكبائر، فله الأمن من الخلود في النار.

ففرقٌ بين الأمن المطلق ومطلق الأمن.

وقوله: «إنما هو الشرك» إن أراد به الأكبر فمقصوده أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا والآخرة وهو مهتد إلى ذلك، وإن كان مراده جنس الشرك فيقال: ظلم العبد لنفسه كبخله لحب المال ببعض الواجب هو شرك أصغر، وحبه ما يبغض الله حتى يقدِّم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الظلم بهذا الاعتبار».

* أخرجه البخاري (32، 336، 3428) ، ومسلم (124، 197) ، وأحمد (6/ 68) ، والترمذي (3069) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام