(1) وضرب الكتاب بعضه ببعض، وأن القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضاً ولكن أنزل لأن يُصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به» رواه ابن سعد وابن مردويه، وغيرهم.
وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران:7] أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل معنى آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المعنى المراد {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه أي يصرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة لاحتمال لفظه لما يصرفونه {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَة} أي الإضلال لأتباعهم ليوهموهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم، فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه فقد اهتدى، ومن عكس انعكس. قال شيخ الإسلام: «والله جعل المحكمَ مقابل المتشابه تارة ومقابل المنسوخ تارة، والمنسوخ يدخل فيه كل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجحه كتخصيص العام وتقييد المطلق، فإن هذا متشابه لأنه يحتمل معنيين ويدخل فيه المجمل فإنه متشابه وإحكامه رفع ما يتوهم فيه من المعنى الذي ليس بمراد.
وقد روي أن من نصارى نجران الذين وفدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - من تأوّل «أَنّا» و «نحن» على أن الآلهة ثلاثة؛ لأن هذا ضمير جمع، ومعلوم أن «أنّا» و «نحن» من المتشابه، فإنه يراد بها الواحد الذي معه غيره من جنسه ويراد بها الواحد الذي معه أعوانه، وإن لم يكونوا من جنسه ويراد بها الواحد المعظّم نفسه الذي يقوم مقام من معه غيره لتنوع أسمائه التي كل اسم منها يقوم مقام مسمى فصار متشابهاً؛ لأن اللفظ واحد، والمعنى متنوع، والأسماء المشتركة في اللفظ هي من المتشابه، فالذين في قلوبهم زيغ يدّعون المحكم الذي لا اشتباه فيه
مثل: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:163] ، {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] ، {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] ، {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الفرقان:2] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ويتبعون المتشابه». انتهى باختصار.
وفيه: ترك التحديث بما لا يفهم السامع، وذكر العلة أنه: يفضي على تكذيب الله ورسوله ولو لم يتعمد المنكر، وكلام ابن عباس لمن استنكر شيئاً من ذلك وأنه هلكة. قاله المصنف رحمه الله تعالى.