ِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِه [1] ِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا [2]
(1) قوله: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت، فالكفر بالطاغوت ركن التوحيد فلا يصح الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله. قال الإمام مالك - رحمه الله: «الطاغوت ما عبد من دون الله» . قال ابن القيم رحمه الله: «الطاغوت ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملت أحوال الناس معها رأيت أن أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت ومتابعته» . انتهى.
(2) وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا} تضمنت هذه الآية أربعة أمور: الأول: أنه من إرادة الشيطان يعني التحاكم إلى الطاغوت. الثاني: أنه ضلال. الثالث: تأكيده بالمصدر. الرابع: وصفه بالبعد عن سبيل الحق والهدى.
وقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا قال ابن القيم: «هذا دليل على أن من دُعي إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين.
قوله: {يَصُدُّونَ} لازم وهو بمعنى يعرضون؛ لأن مصدره صدوداً فما أكثر من اتصف بهذا الوصف خصوصاً من يدّعي العلم، فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله إلى أقوال من يخطئ كثيراً ممن ينتسب إلى الأئمة الأربعة في تقليدهم من لا يجوز تقليده واعتمادهم على قول من لا يجوز الاعتماد على قوله، ويجعلون قوله المخالف لنص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة هو المعتمد عندهم الذي لا تصح الفتوى إلا به فصار المتبع لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أولئك غريباً». انتهى.
وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} قال ابن القيم: المصيبة فضيحتهم إذ أنزل القرآن بحالهم، ولا ريب أن المصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول أعظمها مصائب القلب والدين، فيرى المعروف منكراً، والهدى ضلالاً، والرشاد غيّاً، والجود باطلاً، والصلاح فساداً، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قلبه.
وقوله: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} أي المداراة والمصانعة وتوفيقاً بين الخصمين.
وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} قال ابن كثير [التفسير 2/ 347] : «أي هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله أعلم بما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك» .
وقوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا} قال ابن القيم: «أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بثلاثة أشياء: أحدها: الإعراض عنهم إهانة لهم وتحقيراً لشأنهم وتصغيراً لأمرهم لا إعراض متاركة وإهمال، وبهذا يعلم