وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذِّبَ من لا يُشرك به شيئاً» [1] . قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشِّرهم فيتّكلوا» [2] .
(1) قوله: «وحق العباد على الله أن لا يعذب من لايشرك به شيئاً» اقتصر على نفي الشرك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء وإثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذَّب رسول الله فقد كذَّب الله، ومن كذَّب الله فهو مشرك كقول القائل من توضأ صحّت صلاته، أي مع سائر الشروط. قاله الحافظ ابن حجر.
(2) وهذا الحق هو الذي أحقه تعالى على نفسه كرماً منه وفضلاً، ومعناه: أنه متحقق لا محالة؛ لأنه قد وعدهم ذلك جزاء على توحيده، وعد الله، لا يخلف الله وعده، وليس على الله حق واجب بالعقل كما تقول المعتزلة ولذا قيل:
كلاّ ولا سعيٌ لديه ضائعُ ... ما للعبادِ عليه حقٌّ واجبُ
فبفضلِه وهو الكريمُ الواسعُ ... إن عذَّبوا فبعدله، أو نُعِّموا
قال شيخ الإسلام: «وهذا الحق هو استحقاق إنعام وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول لا معنى للاستحقاق إلاّ أنه أخبر بذلك ووعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقاً زائداً على هذا كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] .
وكما في حديث معاذ هذا، ولكن أهل السنة يقولون: هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب هذا الحق على نفسه ولم يُوجبه عليه مخلوق، والمعتزلة يدّعون أنه واجب عليه بالقياس على المخلوق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم له وأنهم مطيعين يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب وغلطوا في ذلك».
وفيه: معرفة حق العباد على الله إذا أدُّوا حقه. قاله المصنف.
قوله: «قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشِّرهم فيتكلوا» . وفي رواية: «إني أخاف أن يتّكلوا» - أي يعتمدوا على ذلك - فيتركوا التنافس في الأعمال الصالحة. وفي رواية: «فأخبر بها معاذ عند موته خوفاً من الإثم» . قاله المصنف رحمه الله.
وفيه: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة، وعظم شأن هذه المسألة، وجواز كتمان العلم للمصلحة، واستحباب بشارة المسلم بما يسره.
وفيه: ما كان عليه الصحابة من الاستبشار بمثل هذا والخوف من الاتكال على