وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [1]
(1) قوله: «وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال ابن عباس: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي ثوابها وزينتها، أي مالها، {نُوَفِّ َ} أي نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في المال والأهل والولد، {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} لا ينقصون، ثم نسختها {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: 18] الآيتين. رواه النحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» له. وقوله: ثم نسختها أي قيّدتها أو خصّصتها فلم تبق الآية على إطلاقها، فإن السلف كانوا
يسمون التقييد والتخصيص نسخاً وإلا فالآية محكمة. قال الضحاك: من عمل صالحاً من أهل الإيمان من غير تقوى عجل له ثواب عمله في الدنيا. واختاره الفراء. قال ابن القيم: «وهذا القول هو الراجح» . انتهى. وقد سُئل المصنف عن هذه الآية فأجاب بما حاصله: ذُكر عن السلف فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم، فمن ذلك: العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صلاة وصدقة وإحسان ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصاً لله، لكنه لا يريد به ثواب الآخرة وإنما يريد به أن يحفظ الله ماله وينميه، أو حفظ أهله وعياله، ولا همّة له في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب، وهذا النوع ذكره ابن عباس.
النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف وهو الذي ذكر مجاهد أن الآية نزلت فيه وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة.
النوع الثالث: أن يعمل أعمالاً صالحة يقصد بها مالاً مثل أن يحج لمال يأخذه، أو يهاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر هذا النوع أيضاً في تفسير هذه الآية.
النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يُكَفِّره كفراً يخرجه عن الإسلام، مثل اليهود والنصارى إذا تصدقوا أو عبدوا الله أو صاموا ابتغاء وجه الله، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم.
فهذا النوع قد ذكر في هذه الآية عن أنس ابن مالك وغيره. وكان السلف يخافون منها». انتهى ملخصاً. وفيه: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة ومعرفة تفسير آية هود. قاله المصنف رحمه الله. وفي الآية أن الشرك محبط للأعمال، وأن إرادة