وعن أبي سعيد مرفوعاً: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجّال؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الشركُ الخفي؛ يقوم الرجلُ فيصلِّي، فيزيِّن صلاتَه لما يرى من نظر رجل» . رواه أحمد [1] .
(1) الأعمال الظاهرة أو التي يتعدّى نفعها فإن الإخلاص فيها عزيز وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وأما إذا كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطراً ثم دفعه فلا يضره بغير اختلاف، وإن استرسل معه فهل يُحبط عمله أم لا ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير ورجّحا أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى وهو مروي عن الحسن وغيره». انتهى ملخصاً.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل مرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج على تجديد نية. انتهى. وفيه: الأمر العظيم في ردّ العمل الصالح إذا خالطه شيء لغير الله وذكر السبب الموجب لذلك وهو كمال الغنى، وأن من الأسباب أنه تعالى خير الشركاء. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
قوله: «وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجّال؟» قالوا: بلى. قال: «الشرك الخفي يقوم الرجل
فيصلي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل.» *. رواه أحمد وروى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيها الناس
* أخرجه أحمد (3/ 30) ، وابن ماجه (4204) ، والحاكم (4/ 329) ، وحسَّنه الألباني في صحيحه الجامع (1/ 509) رقم (2607) .
إياكم وشرك السرائر» قالوا: يا رسول الله، و ما شرك السرائر؟ قال: «يقوم الرجل فيصلي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، فذلك شرك السرائر» *.
قوله: «الشرك الخفي» سماه خفياً لأنه عمل قلب لا يعلمه إلا الله، ولأن صاحبه يظهر أنه لله وقد قصد غيره أو شركه فيه بتزيين صلاته لأجله، ولا خلاف أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله وكذا المتابعة، وعن شدّاد ابن أوس - رضي الله عنه - قال: كنا نعد الرياء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشرك الأصغر. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وغيره. قال ابن القيم [المدارج 1/ 334] : «وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله، وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله وقصده» . انتهى.
وقوله: «كيسير الرياء» فدلّ على أن كثيره أكبر. قاله في «الشرح» **. قال الفضيل بن عياض في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك:2] قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة. وفي الحديث: شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ونصحه لهم، وأن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجّال. قاله في «فتح المجيد» ***. وفيه: خوفه - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه من الرياء، وأنه فسر ذلك بأن يصلي المرء لله لكن يُزيّنها لما يرى من نظر رجل إليه. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه ابن خزيمة رقم (937) (2/ 67، 290) ، والبيهقي (2/ 290، 291) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 34) ، وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (31) (1/ 119) .
** (ص/460) .