فهرس الكتاب
الصفحة 208 من 358

مُطرنا بنوءِ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب [1] ».

ولهما (2) من حديث ابن عباس معناه. وفيه: قال بعضهم: لقد صدق نوءُ كذا وكذا. فأنزل الله هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله {تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:75 - 82] [2] .

(1) قوله: «وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمنٌ بالكوكب» حيث جعل للنوء تأثيراً في إنزال المطر؛ لأنه شرك في الربوبية، والمشرك كافر. وفيه: معرفة قوله: «أصبح من عبادي مؤمن بي كافر» بسبب نزول النعمة والتفطن للإيمان في هذا الموضع والتفطن للكفر في هذا الموضع. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

(2) قوله: «ولهما» أي البخاري ومسلم «من حديث ابن عباس معناه. وفيه: قال بعضهم: لقد صدقَ نوءُ كذا وكذا» وفيه: التفطّن لقوله «لقد صدق نوءُ كذا وكذا» . «فأنزل الله هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم} إلى قوله: {وتجعلون رزقكن أنكم تكذبون} » هذا قسم من الله عز وجل يقسم بما شاء من خلقه على ما شاء {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77] ، وجواب القسم فتكون لا صلة لتأكيد النفي فتقدير الكلام: ليس الامر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم. ومواقع النجوم قال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية، ومواقعها نزولها شيئاً بعد شيء. وقال مجاهد: مواقع النجوم: مطالعها ومشارقها. واختاره ابن جرير.

وقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} قال ابن كثير [التفسير 7/ 544] : وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم لو تعلمون عظمته لعظّمتم المُقسَم به عليه.

قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} هذا هو المقسم عليه وهو القرآن أي إنه وحي الله وتنزيله وكلامه لا كما يقول الكفار إنه سحر، أو كهانة، أو شعر، والكريم

البهي الكثير الخير العظيم، وهو من كل شيء أحسنه وأفضله.

قال الأزهري: «الكريم: اسمٌ جامعٌ لما يُحمد، والله تعالى كريمٌ جميلُ الفعال، وإنه لقرآن كريم: يُحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة» .

قوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} أي: معظم محفوظ موقر. قاله ابن كثير [التفسير 7/ 544] .

قال ابن القيم: «اختلف المفسرون في هذا فقيل: هو اللوح المحفوظ، والصحيح أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وهو المذكور في قوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:13 - 16] ، ويدل على هذا قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسّونه.

وقوله {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} قال ابن عباس: الكتاب الذي في السماء. وفي رواية: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} يعني: الملائكة.

وقال قتادة: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس، واختار هذا القول كثيرون، منهم ابن القيم ورجّحه.

وقال ابن زيد: «زعمت قريشٌ أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210 - 212] .

قال ابن كثير [التفسير 8/ 22] : «هذا قول جيد، وهو لا يخرج عن القول قبله» .

وقال البخاري في «صحيحه» : «في الآية لا يجد طعمه إلا من آمن به» .

قال ابن القيم [التبيان في أقسام القرآن 1/ 410] : «هذا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ به وبقراءته وفهمه وتدبره إلا من يشهد أنه كلام الله تكلم به حقّاً وأنزله على رسوله وحياً» ، وقال آخرون: لا يمسه إلا المطهرون من الجنابة والحدث ولفظ الآية خبر، ومعناه الطلب، والمراد بالقرآن ههنا المصحف، واحتجوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ أن الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: «أن لا يمس القرآنَ إلا طاهر» *.

وقوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير [التفسير 7/ 545] : «هذا القرآن منزّل من الله رب العالمين، وليس كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر» .

* أخرجه مالك في الموطأ (317) مرسلاً، وعبدالرزاق في المصنف (1/ 341) ، والدارمي (2278) ، والحاكم في المستدرك (3/ 485) . وصحّحه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الجامع (2/ 1284) رقم (7780) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام