وقوله: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19] . الآية [1] .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوى [2] ،
(1) وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} هذا خبر من الله تعالى عن المرسلين وما أجابوا به أصحاب القرية في قولهم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} والمعنى - والله أعلم: حظكم وما نابكم من شر معكم؛ بسبب كفركم ومخالفتكم الناصحين، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا بل ببغيكم وعدوانكم، وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، ويحتمل أن يكون المعنى {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي: راجع عليكم. فالتطيُّر الذي حصل لكم إنما يعود عليكم، {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} أي: من أجل أنَّا ذكّرناكم وأمرناكم بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلام {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} قال قتادة: إن ذكّرناكم تطيرتم بنا. ومناسبة الآيتين للترجمة: أن التطير من عمل أهل الجاهلية والمشركين، وقد ذمّهم الله تعالى به ومقتهم. وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التطيّر، وأخبر أنه شرك، كما سيأتي في أحاديث الباب. قاله في «فتح المجيد» *. وفيه: التنبيه على قوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} مع قوله {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} . قاله المصنف رحمه الله تعالى.
(2) قوله: «وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» أخرجاه**. زاد مسلم: «ولا نوء ولا غول» . قال أبوالسعادات [النهاية 3/ 174] : «العدوى: اسم من الإعداء كالرَّعوى، يقال: أعداه الداء، يُعديه إعداءً
** أخرجه البخاري برقم (5757) ، و مسلم (2220) .
إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء». وقال غيره: من عدوى هو اسم من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفي نفس سراية العلة أو إضافتها - أي السراية - إلى العلة، والأول هو الظاهر. قاله في «فتح المجيد» *. وفيما قاله نظر؛ فإن المنفي إضافة السراية إلى العلة على ما يعتقده أهل الجاهلية لا نفس سراية العلة. وفي رواية لمسلم: أن أبا هريرة كان يحدث بحديث «لا عدوى» ويحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يُورَدُ ممرض على مصح» ** وأمسك عن حديث «لا عدوى» فراجعوه وقالوا: سمعناك تحدث به، فأبى أن يعترف به.
وقد روى حديث «لا عدوى» جماعة من الصحابة: أنس بن مالك وجابر بن عبدالله، والسائب بن يزيد، وابن عمر وغيرهم، وفي بعض روايات هذا الحديث «وفِرّ من المجذوم كما تفر من الأسد» *** وقد اختلف العلماء في ذلك وأحسن ما قيل فيه: أن قوله «لا عدوى» على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى وأن هذه الأمور تعدي بطبعها وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سبباً لحدوث ذلك المرض؛ ولهذا قال: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» ، وقال: «لا يُورَد ممرض على مصح» ، وقال في الطاعون: «إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه» ، وكل ذلك بتقدير الله تعالى، ولأحمد والترمذي عن ابن مسعود مرفوعاً «لا يعدي شيء» قالها ثلاثاً.
فقال أعرابي: يا رسول الله: إن النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها. فقال رسول الله: «فمن أجرب الأول، لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها
** أخرجه البخاري (5771) ، ومسلم (2221) ، وأبوداود (2/ 158) .
*** أخرجه البخاري تعليقاً (5707) ، وأحمد ووصله (2/ 443) .
أخرجه البخاري (5728) ، ومسلم (2218) .
ومصائبها ورزقها» *. فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك كله بقضاء الله وقدره. والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر الظاهرة إذا كان في عافية منها كما أنه يُؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء وفي النار مماجرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم والقدوم على بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله سبحانه وتعالى خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره ولا مقدر سواه. وأما ما خفي منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه بل ذلك من الطيرة المحرمة فإنها سوء ظن بالله بغير سبب محقق، وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتماداً على الله ورجاءً منه أن لا يحصل به ضرر ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك وعلى هذا يُحمل الحديث الذي رواه أبوداود والترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال: «كل باسم الله، ثقةً بالله وتوكلاً عليه» ** وقد أخذ به الإمام أحمد وروى ذلك عن عمر وابنه وسلمان - رضي الله عنهم -.