ولا من خالفهم،
حَتَّى يَأتِيَ أَمْرُ اللهِ [1]
تبارك وتعالى [2] ».
(1) قوله: «حتى يأتي أمر الله» الظاهر أن المراد به ما روي من قبض من بقي من المؤمنين بالريح الطيبة، ووقوع الآيات العظام، ثم لا يبقى إلا شرار الناس، فعليهم تقوم الساعة. كما روى الحاكم: أن عبدالله بن عمرو قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر أهل الجاهلية. فقال عقبة بن عامر لعبدالله: أعلم ما تقول، وأما أنا فسمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك» *.
* أخرجه مسلم (1924) .
(2) قال عبدالله: ويبعث الله ريحاً، ريحُهَا ريحُ المسك، ومَسُّها مسُّ الحرير، فلا تترك أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة. وعلى هذا؛ فالمراد بقوله في حديث عقبة وما أشبهه «حتى تأتيهم الساعة» ساعتهم وهي وقت موتهم بهبوب الريح. ذكره الحافظ ابن حجر [الفتح 13/ 294] .
وقد اختلف في محل هذه الطائفة فقال بعضهم: إنها تكون في بيت المقدس. كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة: قيل يا رسول الله أين هم؟ قال: «ببيت المقدس» *. وقال معاذ بن جبل: هم بالشام.
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة قال في «الشرح» **: «وهذا هو الحق؛ فإن ليس في الشام منذ أزمان أحد بهذه الصفة؛ بل ليس فيه إلا عُبَّاد القبور وأهل الفسق وأنواع الفواحش والمنكرات، ويمتنع أن يكونوا هم الطائفة المنصورة، وأيضاً فهم منذ أزمان لا يقاتلون أحداً من أهل الكفر وإنما بأسهم وقتالهم بينهم» . انتهى.
قلت: ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس، فإنهم من أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه، فإنهم كانوا في زمانهم على الحق يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير. قاله في «فتح المجيد» ***.
وقوله: «تبارك وتعالى» جاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هو دالٌّ على كمال العلو ونهايته، فكذلك تبارك دالّ على كمال بركته وعظمتها وسعتها، وهذا معنى
* أخرجه الطبراني في «الكبير» (7643) ، وأحمد (5/ 269) .
** (ص/323) .
قول من قال من السلف: تبارك تعاظم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جاء بكل بركة. قاله ابن القيم رحمه الله تعالى.
وهذا الحديث رواه أيضاً أبوداود في سننه وابن ماجه بالزيادة التي ذكرها المصنف رحمه الله. وكل جملة من هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فإن كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وقع كما أخبر. قاله في «فتح المجيد» *.
* (1/ 461 - حاشية/3) .