[التوبة:113] .
وأنزل في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [1]
(1) قوله: «وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
قال ابن كثير [التفسير 6/ 245 - 246] : «يقول تعالى لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم: إنك يا محمد {لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ، أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء» .
والمنفي هنا هداية التوفيق والقبول، فإن أمر ذلك إلى الله وحده وهو القادر عليه، فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] .
وفيه: جِدُّه - صلى الله عليه وسلم - ومبالغته في إسلام عمِّه وكونه استغفر له فلم يغفر له، بل نُهي عن ذلك. قاله المصنف رحمه الله. وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل.
قال ابن فارس: «مات أبوطالب ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوماً، وتوفيت خديجة رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثمانية أيام، ومن حكمة الرب تبارك وتعالى في عدم هداية أبي طالب إلى الإسلام ليبيِّن لعباده أن ذلك إليه، وهو القادر عليه دون ما سواه، فلو كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أفضل خلقه وأكرمهم عليه من هداية القلوب وتفريج الكروب، ومغفرة الذنوب، والنجاة من العذاب ونحو ذلك شيء لكان أحق الناس بذلك وأولاهم به عمه الذي كان يحوطُه ويحميه ويؤويه، وناله بسببه من الأذى ما ناله، وحُصر في الشعب سنوات، وقاطعته قريش من أجله، وكان ينشد الأشعار في الذَّبِّ عنه ومدحه والثناء عليه وعلى دينه الذي يدعو إليه، ومن ذلك قوله في قصيدته اللامية المشهورة:
وقد قطعوا كل العُرى والوسائل ... ولما رأيتُ القوم لا ودَّ فيهم
وقد طاوعوا أمر العدو المزايل ... وقد صارحونا بالعداوة والأذى صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي
وأبيض عضب من تراث المقاول ... وأمسكتُ من أثوابه بالوصائل
لدى حيث يقضي حلفه كل تافل ... قياماً معاً مستقبلين رتاجه
ونظعن إلا أمركم في بلابل ... كذبتم وبيت الله نترك مكة
ولما نطاعن دونه ونناضل ... كذبتم وبيت الله نبزي محمداً
ونذهل عن أبنائنا والحلائل ... ونسلمه حتى نُصرع حوله
إلى أن قال:
وإخوته دأب المحب المواصل ... لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد
ثمال اليتامى عصمة للأرامل ... وأبيض يستسقى الغمامُ بوجهه
وزيناً لمن والاه رب المشاكل ... فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها
إذا قاسه الحكَّام عند التفاضل ... فمن مثله في الناس أي مؤمِّل
يوالي إلهاً ليس عنه بغافل ... حليم رشيد عادل غير طائش
تجرُّ على أشياخنا في المحافل ... فوالله لولا أن أجيء بسبّة
من الدهر جداً غير قول التهازل ... لكنا اتبعناه على أي حالة
تقصر عنه سورة المتطاول ... فأصبح فينا أحمد في أرومة
ودافعت عنه بالذرى والكلاكل ... حديث بنفسي دونه وحميته
وأظهر ديناً حقاً غير باطل ... فأيَّده ربُّ العباد بنصره
وفي قصة وفاة أبي طالب المروية في الصحيحين* وحرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إسلامه فلم يسلم بل مات على ملة عبدالمطلب التي هي عبادة الأوثان والشرك بالله ونزل في حقه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} واستغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - له فلم يغفر له بل نهى عن ذلك وأنزل الله في النهي عنه قوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
* البخاري (4772) ، ومسلم (24) .
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] : الرد على الرافضة الذين يزعمون إسلام أبي طالب وعلى الشيخ أحمد زيني دحلان الذي ألَّف لهم كتاباً في إسلامه سماه «أسنى المطالب في إسلام أبي طالب» مع ما ورد في قصة وفاته وما نزل في ذلك من الآيات، وما تظاهرت به الأحاديث من أن له نعلان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، نسأل الله السلامة والعافية بمَنِّه وكرمه، ونعوذ به من زيغ القلوب ورين الذنوب وعمى البصائر.