فهرس الكتاب
الصفحة 641 من 683

من عرف الله - عز وجل - بأسمائه وصفاته أحبه محبة عظيمة لا تضاهيها محبة أخرى، ذلك أن أسماء الله - عز وجل - كلها حسنى وجميلة وجليلة وهي مقتضية للخلق والأمر. وشهود آثار أسمائه الحسنى التي مضى في هذا البحث ذكر شيء منها يورث في القلب محبة الرب العظيم ذي الجلال والإكرام، الرحمن الرحيم - ولله المثل الأعلى - لو أن مخلوقًا من الناس اجتمعت فيه صفات جميلة كالرحمة والصدق والعدل والوفاء والحكمة ... إلخ، ثم كان مع ذلك محسنًا وخيره واصل لبعضهم لكان ذلك مدعاة لمحبة الناس له والثناء عليه، هذا وهو مخلوق ضعيف يعتريه النقص والجهل ومحدود الزمان والمكان والصفات فكيف بمن له كل صفات الكمال والجلال، والعظمة والجمال، والإحسان والإنعام.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:"فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصًا وأبعدها من كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده، فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحسانًا منه سبحانه وتعالى، ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله وجماله، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه وإذا كان الكمال محبوبًا لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته؛ إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته وأفعاله دالة عليه، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل وعلى كل ما أمر؛ إذ ليس في أعماله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة، والعدل والفضل والرحمة، وكل واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناء والمحبة عليه" (1) .

(1) طريق الهجرتين 520 - 521.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام