فهرس الكتاب
الصفحة 628 من 683

يوم معاد الخليقة، ميز الله الخبيث من الطيب، فجعل الطيب وأهله في دار على حدة لا يُخالِطهم غيرُهم، وجعل الخبيثَ وأهله في دار على حدة لا يخالطهم غيرهم، فعاد الأمر إلى دارين فقط: الجنَّة، وهي دار الطيبين، والنار، وهي دار الخبيثين.

... وقد يكون في الشخص مادتان، فأيهما غلب عليه كان من أهلها، فإن أراد الله به خيرًا طهره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيُوافيه يوم القيامة مطهرًا، فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار، فيطهره منها بما يوفِّقه له من التوبة النصوحِ، والحسناتِ الماحية، والمصائب المكفِّرة، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، ويُمسك عن الآخر مواد التطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة، ومادة طيبة، وحكمته تعالى تأبى أن يُجَاوره أحد في داره بخبائثه، فيدخله النار طهرة له وتصفية وسبكًا، فإذا خلصت سبيكةُ إيمانه من الخبث، صلح حينئذٍ لجواره، ومساكنة الطيبين من عباده، وإقامة هذا النوع من الناس في النار على حسب سرعة زوال تلك الخبائث منهم وبطئها، فأسرعهم زوالاً وتطهيرًا أسرعُهم خروجًا، وأبطؤهم أبطؤُهم خروجًا، جزاءً وفاقًا، وما ربُّك بظلام للعبيد.

ولما كان المشرك خبيث العنصر، خبيث الذات، لم تطهر النار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثًا كما كان، كالكلب إذا دخل البحر ثم خرج منه، فلذلك حرَم الله تعالى على المشرك الجنَّة.

ولما كان المؤمن الطيب المطيب مبَّرءًا من الخبائث، كانت النار حرامًا عليه، إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره بها، فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، وشهدت فِطَرُ عباده وعقولهم بأنه أحكم الحاكمين، وربُّ العالمين، لا إله إلا هو" (1) ."

(1) زاد المعاد 1/ 65 - 68 (باختصار يسير) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام