ولقد عَرَض لي من هذا الجنس، فإنه نزلت بي نازلة، فَدَعَوْتُ وَبَالَغْتُ، فلم أرَ الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.
فتارة يقول: الكرم واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟
فقلت له: اخسأ يَا لَعِين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا.
ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك ومساكنة وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك في محاربة العدو لكفى في الحكمة.
قالت: فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة.
فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله - عز وجل - مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه.
والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة، والحقُّ أن الحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب، من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.
والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) (1) .
والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتكِ في مَنْعِ حَاجَتِك لِذَنْبٍ مَا صدقتِ في التوبة منه. فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك توقنين بالمقصود ...
والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح.
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غَزَوْت أُسِرْتَ، وإن أسرت تنصرت.
والسادس: أنه ربما كان فقد ما تفقدينه سببًا للوقوف على الباب واللجأ. وحصوله سببًا للاشتغال به عن المسؤول.
وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ.
(1) مسلم (2735) .