أحدهما: أن الله غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم، وإنما الحظ الأوفر لكم في الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى، فكيف يمنُّ بنفقته ويؤذي مع غنى الله التام عنها وعن كل ما سواه، ومع هذا فهو حليم إذ لا يعاجل المانّ بالعقوبة. وفي ضمن هذا الوعيد والتحذير.
والمعنى الثاني: أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز والصفح، مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة، فكيف يؤذي أحدكم بمنه وأذاه مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره" (1) ."
ويقول سيد قطب - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية:" {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} ، غني عن الصدقة المؤذية، حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكروه فلا يعجلهم بالعقاب، ولا يبادرهم بالإيذاء وهو معطيهم كل شيء، ومعطيهم وجودهم ذاته قبل أن يعطيهم أي شيء. فليتعلم عباده من حلمه سبحانه فلا يعجلوا بالأذى والغضب على من يعطونهم جزءًا مما أعطاهم الله لهم حين لا يروقهم منه أمر أو لا ينالهم منهم شكر" (2) .
وفي اقتران هذين الاسمين الكريمين دلالة أيضًا على أن حلمه سبحانه لم يكن عن عجز أو فقر أو حاجة وإنما عن غنى تام، وقدرة تامة والله أعلم.
رابعًا: اقتران اسمه سبحانه (الحليم) باسمه سبحانه (الشكور) :
وذلك في قوله تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) } [التغابن: 17] ، وذلك مرة واحدة في القرآن الكريم.
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:"وتبارك الله ما أكرمه وما أعظمه، وهو ينشئ العبد ثم يرزقه ثم يسأله فضل ما أعطاه، قرضًا يضاعفه ثم يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه، ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه .. يالله!!" (3) .
خامسًا: اقتران اسمه سبحانه (الحليم) باسمه سبحانه (العظيم) :
(1) بدائع التفسير 1/ 421.
(2) في ظلال القرآن 1/ 308.
(3) نفس المصدر 6/ 3591.