فانظر إلى تفسيره بتدبر وتبصر وتعقل لمعان (1) 2)
ويعلل -رحمه الله تعالى- ورود هذه الأسماء معطوفة بعضها على بعض فيقول:"وأما في أسماء (الرّب) - تبارك وتعالى - فأكثر ما يجيء في القرآن بغير عطف نحو: (السميع العليم، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، الملك القدوس السلام) إلى آخرها. وجاءت معطوفة في أربعة أسماء وهي: (الأول والآخر، والظاهر والباطن) فأما ترك العطف في الغالب فلتناسب معاني تلك الأسماء، وقرب بعضها من بعض وشعور الذهن بالثاني من شعوره بالأول. ألا ترى أنك إذا شعرت بصفة المغفرة انتقل ذهنك منها إلى الرحمة، وكذلك إذا شعرت بصفة السمع انتقل الذهن إلى البصر، وكذلك (الخالق البارئ المصور) ... وأما تلك الأسماء فلما كانت دالة على معانٍ متباينة، وأن الكمال في الاتصاف بها على تباينها ... فهي ثابتة للموصوف بها ... وأيضًا لأن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم وتقريره، ففي العطف مزيد تقرير وتوكيد يدفع به توهم الإنكار ... فإذا قيل: هو الأول ربما سرى الوهم إلى أن كونه أولاً يقتضي أن يكون الآخر غيره ..."
وكذلك (الظاهر والباطن) إذا قيل: هو (ظاهر) ربما سرى الوهم إلى أن (الباطن) مقابله فقطع هذا الوهم بحرف العطف الدال على أن الموصوف بالأولية هو الموصوف بالآخرية، فكأنه قيل: هو الأول، وهو الآخر، وهو الظاهر، وهو الباطن، لا سواه ... والذي يوضح ذلك أنه إذا كان للبلد مثلاً قاض وخطيب وأمير فاجتمعت في رجل حسن أن تقول: زيد هو الخطيب والقاضي والأمير وكان للعطف هنا مزية ليست للنعت المجرد فعطف الصفات هنا أحسن قطعًا لوهم متوهم أن الخطيب غيره. وأن الأمير غيره" (2) 1)."
(1) نونية ابن القيم 2/ 213.
(2) بدائع الفوائد 1/ 198، 199"باختصار وتصرف يسير".