الله، نُهِكَت الأنفُس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك،
فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، سبحان الله» فما زال يسبِّحُ حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «ويحك [1] ، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظمُ من ذلك [2] ، إنه لا يُستشفعُ بالله على أحدٍ من خلقه» [3] . وذكر الحديث. رواه أبوداود [4] .
(1) قوله: «ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «ويحك» كلمة تُقال للزجر، كذا في «قرة العيون» *، وفي «النهاية» [5/ 204] : «ويح: كلمة ترحُّم وتوجّع تُقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها» .
(2) وقوله: «أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك» فيه إشارة إلى قلة علمه بعظمة الله وجلاله.
(3) وقوله: «إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه» لأن الأمر كله بيده تعالى ليس في يد المخلوق منه شيء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، تعالى وتقدَّس.
(4) قوله: «وذكر الحديث، رواه أبوداود» في السنن بتمامه، لكن المصنف اقتصر منه على الشاهد للترجمة وبقية الحديث: «شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا - وقال بأصابعه مثل القبة عليه - وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب» قال ابن يسار في حديثه «إن الله فوق عرشه، وعرشُه فوق سماواته» قال الحافظ الذهبي: رواه أبوداود بإسناد حسن عنده في «الرد على الجهمية» من حديث محمد بن إسحاق بن يسار. وفي هذا الحديث إثبات علو الله على خلقه وأن عرشه فوق سماواته. وفيه: تفسير الاستواء بالعلو، كما فسره الصحابة والتابعون والأئمة خلافاً للمعطلة والجهمية والمعتزلة ومن أخذ عنهم كالأشاعرة ونحوهم ممن ألحد في أسماء الله وصفاته. قاله في «الشرح» **.
وهذا الحديث رواه أبوداود ورضيه على عادته فيما كان عنده صحيحاً أو حسناً وسكت عليه. وفيه دليل على أنه لا يجوز الاستشفاع بالله على أحد من خلقه،
* (ص/254) .
** هو في فتح المجيد (2/ 830) .
وأما الاستشفاع بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته فإنما المراد الاستشفاع بدعائه - صلى الله عليه وسلم - وليس هذا خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل كل حي صالح يُرجى أن يُستجاب له لا بأس أن يُطلب منه الدعاء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر لما استأذنه في العمرة: «لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك» *، وأما الميت فإنما يشرع في حقه الدعاء له في الصلاة على جنازته وعلى قبره عند زيارته. وفيه: إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على من قال «نستشفع بالله عليك» وتغيُّره تغيّراً عرف في وجوه أصحابه من هذه الكلمة، وأنه لم يُنكر عليه قوله «نستشفع بك على الله» .
والتنبيه على تفسير «سبحان الله» ، وأن المسلمين يسألونه - صلى الله عليه وسلم - الاستسقاء. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه أبوداود (1498) ، والترمذي (3557) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2894) ، وأحمد (1/ 29، 2/ 59) ، وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (6278) .