وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجلٌ عابد. قال أبوهريرة: تكلَّم بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته [1] .
(1) قوله: «من ذا الذي يتألَّى عليَّ؟» استفهام على جهة الاستنكار والوعيد؛ لأن هذا
يقتضي الحكم على الله بعدم المغفرة لفلان، وهذا جهل وسوء أدب، وأما إذا أقسم العبد على ربه في أمر من الأمور بناءً على حسن الظن به سبحانه في إبرار قسمه فليس من ذلك، كما ثبت في الصحيح أن أنس بن النضر قال للنبي - صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية الرُّبيِّع. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «يا أنس، كتاب الله القصاص» فعفا القوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه» * أي لأبرَّ قسمه ولم يحنث، وفي الصحيح أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه» **، وكما كان البراء بن مالك وغيره من السلف يقول: أقسمتُ عليك يا رب لتفعلنَّ كذا.
قوله: «وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجلٌ عابد. قال أبوهريرة: تكلَّم بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته» وفي هذا بيان خطر اللسان، وفي حديث معاذ: قلت: يا رسول الله: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يُكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم» ***. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح. وفيه: التحذير من التألِّي على الله، وكون النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وأن الجنة مثل ذلك. وفيه: شاهد لقوله: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة .. » الخ، وأن الرجل قد يُغفر له بسبب هومن أكره الأمور إليه. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه البخاري (2806) و (4500) و (4611) ، ومسلم (1675) .
** أخرجه مسلم (2622) و (2854) .
*** أخرجه الترمذي (2762) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (3973) . وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح الترمذي (2/ 329) .