وعنه: سَمَّوا اللاَّت من الإله، والعُزَّى من العزيز.
وعن الأعمش [1] :
(1) قوله: «وعن الأعمش» وهو سليمان بن مِهران أبومحمد الكوفي، الفقيه ثقة، حافظ ورع، مات سنة مائة وسبع وأربعين وكان مولده سنة إحدى وستين، قال: «يدخلون فيها ما ليس منها» كتسمية النصارى له أباً ونحوه. قاله في «الشرح» **.
وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر. وقال ابن القيم
* أخرجه أحمد (6/ 247) ، وابن حبان (2372) ، والحاكم (1/ 509) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، وصحح الحديث ابن تيمية وابن القيم والألباني رحمهم الله. انظر: الصحيحة رقم (199) .
** (ص/562) .
رحمه الله تعالى: «الإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت، وهو أنواع: أحدها: أن تُسمى الأصنام بها كتسمية اللات من الإله ونحوه. الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته أو علة فاعلة. وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدّس من النقائص كقول أخبث اليهود: إن الله فقير، وقولهم: إنه استراح، وقولهم: يد الله مغلولة. ورابعها: تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيُطلقون عليه اسم السميع البصير الحي، ويقولون: لا سمع له ولا بصر ولا حياة ونحو ذلك.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه - تعالى الله عن قول الملحدين علواً كبيراً - فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ولم يجحدوا صفاته ولم يشبهوها بصفات خلقه ولم يعدلوا بها عما أنزلت لفظاً ولا معنى بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه وتنزيههم خلياً من التعطيل، لا كمن شبَّه حتى كأنه يعبد صنماً، أو عطَّل حتى كأنه يعبد عدماً». انتهى.
وقال أيضاً في «الكافية الشافية» [253 - 254] :
فصل: في بيان حقية الإلحاد في أسماء رب العالمين وذكر انقسام الملحدين:
أسماؤه أوصاف مدح كلها ... مشتقة قد حُمِّلت لمعانِ ... إياك والإلحاد فيها إنه ... كفر معاذ الله من كفرانِ ... وحقيقة الإلحاد فيها الميل بال ... إشراك والتعطيل والنكرانِ ... فالملحدون إذاً ثلاث طوائف ... فعليهم غضب من الرحمنِ ... المشركون لأنهم سموا بها ... أوثانهم قالوا إلهٍ ثانِ ... ج ... ج
هم شبَهوا المخلوق بالخلاق عكـ ... ـس مشبه الخلاَّقِ بالإنسان
وكذاك أهل الاتحاد فإنهم ... إخوانهم من أقرب الإخوان
أعطوا الوجود جميعه أسماءه ... إذ كان عين الله ذي السلطان
والمشركون أقل شركاً منهمُ ... هم خصصوا ذا الاسم بالأوثان
ولذاك كانوا أهل شرك عندهم ... لو عمَّمُوا ما كان من كفران
والملحد الثاني فذو التعطيل إذ ... ينفي حقائقها بلا برهان
ما ثَمَّ غير الاسم أوَّله بما ... ينفي الحقيقة نفي ذي بطلان
فالقصد دفع النص عن معنى الحقـ ... يقة فاجتهد فيه بلفظ بيان
عَطِّل وحَرِّف ثُمَّ أوِّل وأنفها ... واقذف بتجسيم وبالكفران
للمثبتين حقائق الأسماء والأ ... وصاف بالأخبار والقرآن
فإذا هُمُ احتجوا عليك فقل لهم ... هذا مجاز وهو وضع ثانِ
فإذا غُلبتَ على المجاز فقل لهم ... لا يستفاد حقيقة الإيقان
أنَّى وتلك أدلة لفظية ... عزلت عن الإتقان منذ زمان
فإذا تضافرت الأدلة كثرة ... وغُلِبتَ عن تقرير ذا ببيان
فعليك حينئذٍ بقانون وضعنـ ... ـاه لدفع أدلة القرآن
ولكل نص ليس يقبل أن يؤو ... ل بالمجاز ولا بمعنى ثانِ
قل عارض المنقول معقول وما ... الأمران عند العقل يتفقان
ما ثَمَّ إلا واحدٌ من أربع ... متقابلات كلها بوزان
أعمال ذين وعكسه أو تلغي ... المعلول ما هذا بذي إمكان
العقل أصل النقل وهو أبوه إن ... تُبطله يبطل فرعه التحتاني
فتعين الإعمال للمعقول والإ ... لغاء للمنقول ذي البرهان
أعماله يفضي إلى إلغائه ... فاهجره هجر الترك والنسيان
ج
إلى أن قال [ص/255] :
هذا وثالثهم فنافيها ونا ... في ما تدل عليه بالبهتان ... ذا جاحد الرحمن رأساً لم يُقِرّ ... بخالق أبداً ولا رحمن
هذا هو الإلحاد فاحذره لعل ... الله أن ينجيك من نيران
وتفوز بالزلفى لديه وجنة المـ ... ـأوى مع الغفران والرضوان
وفيه: إثبات الأسماء وكونها حسنى، والأمر بدعائه بها وترك من عارض من الجاهلين الملحدين، وتفسير الإلحاد فيها ووعيد من ألحد فيها. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
فائدة:
ما يجري صفةً أو خبراً عن الرب تعالى أقسام:
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات كقولك: ذات وموجود.
الثاني: ما يرجع إلى صفاته ونعوته كالعليم والقدير.
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله كالخالق والرازق.
الرابع: التنزيه المحض ولابد من تضمنه ثبوتاً كالقدوس والسلام.
الخامس: ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدالّ على جملة أوصاف لا تختص بصفة معينة نحو المجيد العظيم الصمد.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو: الغني الحميد، الغفور القدير، الحميد المجيد. وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغِنى صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه وثناء من حمده وثناء من اجتماعهما. فتأمله فإنه من أشرف المعارف. انتهى باختصار. قاله ابن القيم رحمه الله [بدائع الفوائد 1/ 159] .