فهرس الكتاب
الصفحة 282 من 358

فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئتَ ودعْ ما شئت، فوالله لا أجهدُك اليوم بشيء أخذتَه لله. فقال: أمسكْ مالَك، فإنما ابتُلِيتُم، فقد رضي الله عنك وسخطَ على صاحبيك». أخرجاه [1] .

(1) «التيسير» : الشاة الوالد التي عرف منها كثرة الولد والنتاج «فأنتج هذان» بفتح الهمزة والتاء المثناة فوق أي: صاحب الناقة والبقرة، «ووُلِّد» بتشديد اللام «هذا أي» صاحب الشاة، قال في «تيسير الوصول» : ومعناه اعتنى بها عند الولادة أي: حفظها وقام بمصالحها، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم «ثم إنه» أي المَلَك «أتى الأبرص في صورته وهيئته» قال ابن القيم في كتاب «الأعلام» : «وهذا ليس بتعريض، وإنما هو تصريح على وجه ضرب المثال وإيهام أني أنا صاحب هذه القصة كما أوهم الملكان داود أنهما صاحبا القصة «فقال: رجلٌ مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال» بالحاء المهملة بعدها باء موحدة، أي: الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق، ولبعض رواة مسلم: الحيال. بياء تحتية جميع حيلة «في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلّغ به في سفري» من البُلْغة وهي الكفاية: أي أتوصل به إلى مرادي «فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرصَ يقذرك الناس فقيراً فأعطاك الله عز وجل المال. فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابراً. فقال: إن كنتَ كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت» أي ردّك الله إلى ما كنت عليه سابقاً من البرص والفقر «قال: فأتى الأقرع في صورته. فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه» أي الأقرع «مثل ما رد عليه» هذا الأبرص «فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت» أي ردّك الله عليك ما كنت عليه سابقاً من القرع والفقر. «قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ

لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ

بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذْ ما شئتَ ودعْ ما شئتَ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل» هكذا لبعض رواه مسلم، أي لا أشق عليك في الأخذ والامتنان، ورواية البخاري: «لا أحمدك» بالحاء المهملة والميم: أي على طلب شيء أو أخذ شيء مما تحتاج إليه من مالي، كما قيل: ليس على طول الحياة ندم، أي على فوت طول الحياة «فقال» المَلَك: «أمسكْ عليك مالك، فإنما ابتُليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك» . أخرجاه. أي البخاري ومسلم، وهذا حديث عظيم، وفيه معتبر، فإن الأوَلَين جحدا نعمة الله فما أقرَّا لله بنعمة، ولا نسبا النعمة إلى المنعم بها، ولا أَدَّيَا حقَّ الله فيها؛ فحَلَّ عليهما السخط، وأما الأعمى فاعترف بنعمة الله ونسبها إلى المنعم عليه بها وأدَّى حق الله فيها؛ فاستحق الرضا من الله بقيامه بشكر النعمة لَمَّا أتى بأركان الشكر وهي: الإقرار بالنعمة، ونسبتها إلى المنعم بها، وبذلها فيما يحب.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى [المدارج 2/ 242] : «أصل الشكر هو: الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً، ومن عَرَف النعمة والمنعم بها لكن جحدها لم يشكرها، ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع للمنعم بها ولم يرضَ به وعنه، لم يشكرها أيضاً، ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي عنه واستعملها في محابه فهذا هو الشاكر لها، فلابد في الشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له» . انتهى.

وفيه: معرفة ما هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة. قاله المصنف رحمه الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام