فهرس الكتاب
الصفحة 900 من 1137

في حال أمنهم عند أنفسهم بغتةً، أو توبيخه لهم ولائمته إياهم، قالوا: وكذلك معنى المكر منه والخديعة والسخرية ...

وقال آخرون: إنَّ معنى ذلك: أن الله جلَّ وعز أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا: إنّا معكم على دينكم في تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به، وإنما نحن بما نظهر لهم - من قولنا لهم صدقنا بمحمد - عليه السلام - وما جاء به - مستهزئون. يعنون: إنّا نظهر لهم ما هو عندنا باطل لا حقٌّ ولا هُدى. قالوا: وذلك هو معنى من معاني الاستهزاء، فأخبر الله أنه «يستهزئ بهم» فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا خلاف الذي لهم في الآخرة، كما أظهروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في الدين ما هم على خلافه في سرائرهم» [1] .

ثم اختار ابن جرير ما يراه صوابًا من تلك الأقوال فقال: «والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أن معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزئ للمستهزأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهرًا، وهو بذلك من قِيلِه وفعله به مُورِثه مساءة باطنًا ... فإذا كان ذلك كذلك كان الله جلَّ ثناؤه قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام - بما أظهروا بألسنتهم، من الإقرار بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، المُدْخِلِهم في عداد من يشمله اسم الإسلام وإن كانوا لغير ذلك مستبطنين - أحكام المسلمين المصدقين إقرارهم بألسنتهم بذلك، بضمائر قلوبهم، وصحائح عزائمهم، وحميد أفعالهم المحققة لهم صحة إيمانهم - مع علم الله - عز وجل - بكذبهم، وإطلاعه على خبث اعتقادهم، وشكهم فيما ادَّعوا

(1) «جامع البيان» (1/ 301 - 303 - شاكر) ، وانظر طرفًا من هذه الأقوال وغيرها: «زاد المسير» (1/ 35 - 36) ، و «تفسير القرآن العظيم» (1/ 80) ، و «مجموع الفتاوى» (7/ 111 - 112) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام