المبحث الأول
صور من الاستهزاء بالله تعالى
تقدم معنا في «التمهيد» الكلام على أن أساس دين الإسلام ومبناه، يقوم على قاعدتين عظيمتين، «التعظيم، والمحبة» فما لم يكن المسلم معظمًا ومحبًا لله - تبارك وتعالى - ولدينه ورسله، فقد نقض هاتين القاعدتين من أساسها، فالواقع في الاستهزاء والسخرية والتنقص بالخالق ودينه ورسله، قد أتى بما يناقض الإيمان بالكلية، فاستحق لعنة الله تعالى، في الدنيا والآخرة، والعذاب المهين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: 57] .
فالواقع في الأذى لله - تبارك وتعالى - بالنقص والعيب متوعد باللعنة والعذاب المهين.
قال العلماء في معنى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .
إنها نزلت في المشركين واليهود والنصارى [1] ، وصفوا الله تعالى بالولد وكذَّبوا رسوله وشجُّوا وجهه وكسروا رباعيته، وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذَّاب [2] . ومعنى أذى الله: وصفه بما هو منزه عنه من العيب
(1) وهناك قولان في سبب نزول الآية غير ما ذكرت، وهو: أنها نزلت فيمن طعن على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - حين اتخذ صفية بنت حيي، وقيل: نزلت في المصورين. انظر: «زاد المسير» (6/ 420) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 398) ، و «تفسير القرآن العظيم» (3/ 823) .
(2) سيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن صور الاستهزاء بالرسول - عليه الصلاة والسلام - في العصور الأولى.