فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم وهم في خواصهم، ما زالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق، وتكلموا بالاستهزاء، صاروا كافرين بعد إيمانهم، ولا يدل اللفظ على أنهم منافقون» [1] .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: بعد أن ذكر كلام ابن تيمية هذا: «فدل اللفظ على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فتبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم. ولكن لم يظنوه كفرًا وكان كفرًا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه» [2] .
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 57 - 58] .
هذه الآية تضمنت وعيدًا شديدًا لمن آذى الله سبحانه ورسوله - عليه الصلاة والسلام -، بأي نوع من أنواع الأذى، ومنه الاستهزاء والسخرية التي هي من أعظم الإيذاء، فكان الوعيد عليه لعنة في الدنيا والآخرة،
(1) «مجموع الفتاوى» (7/ 272) لابن تيمية. وانظر: «تيسير العزيز الحميد» (ص 618) ، و «فتح المجيد» (2/ 722) .
(2) «تيسير العزيز الحميد» (ص 618 - 619) . وانظر: «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم» (1/ 174 - 175) .