يقولون تارة: إنه الله، وتارة يقولون: إنه ابنه، وتارة يقولون: ثالث ثلاثة ... » [1] .
فهؤلاء جعلوا دينهم الذي يدينون به لله سبحانه «عبادة صور خطوها بأيديهم، في الحيطان مزوقة بالأحمر والأصفر والأزرق، لو دنت منها الكلاب لبالت عليها، فأعطوها غاية الخضوع والذل، والخشوع والبكاء، وسألوها المغفرة، والرحمة، والرزق، والنصر ... » [2] .
هذه الأمة الضالة التي تنقَّصتْ دينها غاية التنقُّص، وجعلته عبادة الصلبان [3] ، وتقديس الصور والصلاة إليها، ودعائها من دون الله - تبارك وتعالى -.
ومن صور الاستهزاء بالدين في الأمم الماضية: ما نجده عند قوم شعيب - عليه السلام - من استخفاف بالصلاة والزكاة كما ورد ذكر ذلك في كتاب الله تعالى حيث قال: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] .
(1) «هداية الحبارى» (ص 48) ، و «إغاثة اللهفان» (2/ 285 - 286) .
(2) المصدر السابق (ص 50) .
(3) جمع الصلبان بلا استثناء، مع أن المفترض - إن كان ولابُدَّ - عبادة ذلك الصليب الذي صلب عليه المسيح - بزعمهم -، فإن قالوا: الصليب من حيث هو يُذَكِّر بالصليب الأول، قلنا لهم: وكذلك الحفرةُ تُذَكِّر بحفرته، فعظموا كُلَّ حفرة واسجدوا لها كحفرته أيضاً بل أولى، لأن خشبة الصلب لم يستقر عليها استقراره في الحفرة.
ثم يقال لهم: اليد التي مسته أولى أن تعظم من الصليب، فعظموا أيدي اليهود لمسِّهم إيَّاه وإمساكهم له ثم انقلوا ذلك التعظيم إلى سائر الأيدي. فإن قلتم: منع من ذلك العداوة، فعندكم أنه هو الذي رضي بذلك واختاره، ولو لم يرض به لم يصلوا إليه منه، فعلى هذا فينبغي أن تشكروهم وتحمدوهم إذ فعلوا مرضاته واختياره الذي كان سبب خلاص جميع الأنبياء والمؤمنين من سجن إبليس. انظر: «إغاثة اللهفان» (2/ 286 - 287) لابن القيم.