الثاني: أنه علم غيب لا يعلمه إلا الله - عز وجل -. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم: «إني لم أُبْعَثْ لأشق عن قلوب الناس» [1] .
فمدّعي هذا مُدَّعٍ علم الغيب، ومدعي علم الغيب كاذب.
الثالث: أنَّ القرآن والسنة - كما ذكرنا - قد جاءت النصوص فيهما بخلاف هذا كما تلونا قبل.
الرابع: إن كان الأمر كما تقولون فمن أين اقتصرتم بالإيمان على عقد القلب فقط، ولم تراعوا إقرار اللسان ... ؟ وكلاهما عندكم مرتبط بالآخرة لا يمكن انفرادهما وهذا يبطل قولكم إنه إذا اعتقد الإيمان بقلبه لم يكن كافرًا بإعلانه الكفر فجوَّزتم أنْ يعلن الكفر من يبطن الإيمان فظهر تناقض مذهبهم وعظيم فساده.
الخامس: أنه كان يلزمهم إذا كان إعلان الكفر باللسان دليلًا على الجحد بالقلب والكفر به ولابُدَّ، فإنَّ إعلان الإيمان باللسان يجب أيضاً أن يكون دليلًا قاطعًا باتًا، ولابُدَّ على أن في القلب إيمانًا وتصديقًا لا شك فيه لأنَّ الله تعالى سمَّى هؤلاء مؤمنين كما سمَّى أولئك كفارًا، ولا فرق بين الشهادتين.
فإن قالوا: إنَّ الله تعالى قد أخبر عن المنافقين المعلنين بالإيمان المبطنين للكفر والجحد.
قيل لهم: وكذلك أعلمنا الله تعالى وأخبرنا أنَّ إبليس وأهل الكتاب والكفّار بالنبوة أنهم يعلنون الكفر، ويبطنون التصديق ويؤمنون بأنَّ الله تعالى
(1) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم (4351) ، «فتح» (7/ 665 - 666) ، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (144) ، «نووي» (7/ 168 - 169) .